يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود E أنه كان ذا أيد والأيد القوة في العلم والعمل قال ابن عباس Bهما والسدي وابن زيد الأيد القوة وقرأ ابن زيد { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون } وقال مجاهد الأيد القوة في الطاعة وقال قتادة أعطي داود E قوة في العبادة وفقها في الإسلام وقد ذكر لنا أنه E كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال [ أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود وأحب الصيام إلى الله D صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى وأنه كان أوابا ] وهو الرجاع إلى الله D في جميع أموره وشؤونه .
وقوله تعالى : { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق } أي أنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار كما قال D : { يا جبال أوبي معه والطير } وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعا له قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن بشر عن مسعر عن عبد الكريم عن موسى بن أبي كثير عن ابن عباس Bهما أنه بلغه أن أم هانىء Bها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة صلى الضحى ثمان ركعات فقال ابن عباس Bهما قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة يقول D : { يسبحن بالعشي والإشراق } ثم رواه من حديث سعيد بن أبي عروبة عن أبي المتوكل عن أيوب بن صفوان عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس Bهما كان لا يصلي الضحى فأدخلته على أم هانىء Bها فقلت أخبري هذا ما أخبرتني به فقالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الفتح في بيتي ثم أمر بماء صب في قصعة ثم أمر بثوب فأخذ بيني وبينه فاغتسل ثم رش ناحية البيت فصلى ثمان ركعات وذلك من الضحى قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء قريب بعضهن من بعض فخرج ابن عباس Bهما وهو يقول : لقد قرأت ما بين اللوحين ما عرفت صلاة الضحى إلا الان { يسبحن بالعشي والإشراق } وكنت أقول أين صلاة الإشراق وكان بعد يقول صلاة الإشراق ولهذا قال D : { والطير محشورة } أي محبوسة في الهواء { كل له أواب } أي مطيع يسبح تبعا له وقال سعيد بن جبير وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد { كل له أواب } أي مطيع .
وقوله تعالى : { وشددنا ملكه } أي جعلنا له ملكا كاملا من جميع ما يحتاج إليه الملوك قال ابن أبي نجي عن مجاهد كان أشد أهل الدنيا سلطانا وقال السدي كان يحرسه كل يوم أربعة آلاف وقال بعض السلف بلغني أنه كان يحرسه في كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا لا تدور عليهم النوبة إلى مثلها من العام القابل وقال غيره أربعون ألفا مشتملون بالسلاح وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم من رواية علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس Bهما أن نفرين من بني إسرائيل استعدى أحدهما على الاخر إلى داود E أنه اغتصبه بقرا فأنكر الاخر ولم يكن للمدعي بينة فأرجأ أمرهما فلما كان الليل أمر داود E في المنام بقتل المدعي فلما كان النهار طلبهما وأمر بقتل المدعي فقال يا نبي الله علام تقتلني وقد اغتصبني هذا بقري ؟ فقال له إن الله تعالى أمرني بقتلك فأنا قاتلك لا محالة فقال والله إن الله لم يأمر بقتلي لأجل هذا الذي ادعيت عليه وإني لصادق فيما ادعيت ولكني كنت قد اغتلت أباه وقتلته ولم يشعر بذلك أحد فأمر به داود عليه السلام فقتل قال ابن عباس Bهما : فاشتدت هيبته في بني إسرائيل وهو الذي يقول الله D { وشددنا ملكه } .
وقوله عز وعلا : { وآتيناه الحكمة } قال مجاهد يعني الفهم والعقل والفطنة وقال مرة : الحكمة والعدل وقال مرة : الصواب وقال قتادة كتاب الله واتباع ما فيه فقال السدي { الحكمة } النبوة وقوله جل جلاله { وفصل الخطاب } قال شريح القاضي والشعبي : فصل الخطاب الشهود والأيمان وقال قتادة شاهدان على المدعي أو يمين المدعى عليه هو فصل الخطاب الذي فصل به الأنبياء والرسل أو قال المؤمنون والصالحون وهو قضاء هذه الأمة إلى يوم القيامة وكذا قال أبو عبد الرحمن السلمي وقال مجاهد والسدي هو إصابة القضاء وفهم ذلك وقال مجاهد أيضا هو الفصل في الكلام وفي الحكم وهذا يشمل هذا كله وهو المراد واختاره ابن جرير وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمر بن شيبة النميري حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى Bه قال : أول من قال : أما بعد داود عليه السلام وهو فصل الخطاب وكذا قال الشعبي فصل الخطاب : أما بعد