يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب قرىء بالإضافة وبالبدل وكلاهما بمعنى واحد فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوؤها جرم السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض كما قال تبارك وتعالى : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير } وقال D { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين } فقوله جل وعلا ههنا : { وحفظا } تقديره وحفظناها حفظا { من كل شيطان مارد } يعني المتمرد العاتي إذا أراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه ولهذا قال جل جلاله { لا يسمعون إلى الملإ الأعلى } أي لئلا يصلوا إلى الملأ الأعلى وهي السموات ومن فيها من الملائكة إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى مما يقوله من شرعه وقدرته كما تقدم بيان ذلك في الأحاديث التي أوردناها عند قوله تبارك وتعالى : { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير } ولهذا قال تعالى : { ويقذفون } أي يرمون { من كل جانب } أي من كل جهة يقصدون السماء منها { دحورا } أي رجما يدحرون به ويزجرون ويمنعون من الوصول إلى ذلك ويرجمون { ولهم عذاب واصب } أي في الدار الاخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر كما قال جلت عظمته { وأعتدنا لهم عذاب السعير } وقوله تبارك وتعالى : { إلا من خطف الخطفة } أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ويلقيها الاخر إلى الذي تحته فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه فيذهب بها الأخر إلى الكاهن كما تقدم في الحديث ولهذا قال { إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } أي مستنير قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس Bهما قال : كان للشياطين مقاعد في السماء قال فكانوا يستمعون الوحي قال وكانت النجوم لا تجري وكانت الشياطين لا ترمى قال فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض فزادوا في الكلمة تسعا قال فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم جعل الشيطان إذا قصد مقعده جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه قال فشكوا ذلك إلى إبليس لعنه الله فقال ما هو إلا من أمر حدث قال فبعث جنوده فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قائم يصلي بين جبلي نخلة قال وكيع يعني بطن نخلة قال : فرجعوا إلى إبليس فأخبروه فقال هذا الذي حدث وستأتي إن شاء الله تعالى الأحاديث الواردة مع الاثار في هذا المعنى عند قوله تعالى إخبارا عن الجن أنهم قالوا { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا }