هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلّم ونساء الأمة تبع لهن في ذلك فقال تعالى مخاطبا لنساء النبي صلى الله عليه وسلّم بأنهن إذا اتقين الله D كما أمرهن فإنه لا يشبههن أحد من النساء ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة ثم قال تعالى : { فلا تخضعن بالقول } قال السدي وغيره : يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال ولهذا قال تعالى : { فيطمع الذي في قلبه مرض } أي دغل { وقلن قولا معروفا } قال ابن زيد : قولا حسنا جميلا معروفا في الخير ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم أي لاتخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها .
وقوله تعالى : { وقرن في بيوتكن } أي الزمن فلا تخرجن لغير حاجة ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات ] وفي رواية [ وبيوتهن خير لهن ] وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا أبو رجاء الكلبي روح بن المسيب ثقة حدثنا ثابت البناني عن أنس Bه قال : [ جئن النساء إلى رسول الله فقلن : يارسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : من قعدت ـ أو كلمة نحوها ـ منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى ] ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت إلا روح بن المسيب وهو رجل من أهل البصرة مشهور .
وقال البزار أيضا : حدثنا محمد المثنى حدثني عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها ] رواه الترمذي عن بندار عن عمرو بن عاصم به نحوه وروى البزار بإسناده المتقدم و أبو داوود أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال [ صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ] وهذا إسناد جيد .
وقوله تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية وقال قتادة { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } يقول : إذا خرجتن من بيوتكن وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك وقال مقاتل بن حيان { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها وذلك التبرج ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج .
وقال ابن جرير : حدثني ابن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا داود ابن أبي الفرات حدثنا علي بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس Bهما قال : تلا هذه الاية { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } قال : كانت فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والاخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة وإن إبليس لعنه الله أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام فآجر نفسه منه فكان يخدمه فاتخذ إبليس شيئا من مثل الذي يرمز فيه الرعاء فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حوله فانتابوهم يسمعون إليه واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال قال ويتزين الرجال لهن وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهن فنزلوا معهن وظهرت الفاحشة فيهن فهو قول الله تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .
وقوله تعالى : { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } نهاهن أولا عن الشر ثم أمرهن بالخير من إقامة الصلاة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة وهي الإحسان إلى المخلوقين { وأطعن الله ورسوله } وهذا من باب عطف العام على الخاص وقوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم في أهل البيت ههنا لأنهن سبب نزول هذه الاية وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح وروى ابن جرير عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلّم خاصة وهكذا روى ابن أبي حاتم قال : حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس Bهما في قوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلّم خاصة وقال عكرمة : من شاء باهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلّم فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففيه نظر فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك : .
( الحديث الأول ) : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا علي بن زيد عن أنس بن مالك Bه قال : [ إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يمر بباب فاطمة Bها ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصلاة ياأهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ] رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عفان به وقال : حسن غريب .
( حديث آخر ) قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع حدثنا أبو نعيم حدثنا يونس عن أبي إسحاق أخبرني أبو داود عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة Bهما فقال : الصلاة الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ] أبو داود الأعمى هو نفيع بن الحارث كذاب .
( حديث آخر ) وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي حدثنا شداد أبو عمار قال : دخلت على واثلة بن الأسقع Bه وعنده قوم فذكروا عليا Bه فشتموه فشتمه معهم فلما قاموا قال لي : شتمت هذا الرجل ؟ قلت : قد شتموه فشتمته معهم ألا أخبركم بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قلت : بلى قال : أتيت فاطمة Bها أسألها عن علي Bه فقالت : توجه إلى رسول الله A فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله A ومعه علي وحسن وحسين Bهم آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة Bهما وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا Bهما كل واحد منها على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساءه ثم تلا A هذه الاية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وقال : [ اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق ] .
وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن عبد الكريم بن أبي عمير عن الوليد بن مسلم عن أبي عمرو الأوزاعي بسنده نحوه زاد في آخره قال واثلة Bه : فقلت وأنا ـ يارسول الله صلى الله عليك ـ من أهلك ؟ قال A : [ وأنت من أهلي قال واثلة Bه : وإنها من أرجى ماأرتجي ] ثم رواه أيضا عن عبد الأعلى بن واصل عن الفضل بن دكين عن عبد السلام بن حرب عن كلثوم المحاربي عن شداد بن أبي عمار قال : إني لجالس عند واثلة بن الأسقع Bه إذ ذكروا عليا Bه فشتموه فلما قاموا قال : اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموه إني عند رسول الله A إذ جاء علي وفاطمة وحسن وحسين Bهم فألقى A عليهم كساء له ثم قال لهم : [ اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قلت : يارسول الله وأنا ؟ قال A : وأنت قال : فوالله إنها لأوثق عمل عندي ] .
( حديث آخر ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح حدثني من سمع أم سلمة Bها تذكر [ أن النبي A كان في بيتها فأتته فاطمة Bها ببرمة فيها خزيرة فدخلت عليه بها فقال A لها : ادعي زوجك وابنيك قالت : فجاء علي وحسن وحسين Bهم فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له وكان تحته A كساء خيبري قالت : وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله D هذه الاية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } قالت Bها : فأخذ A فضل الكساء فغطاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت : فأدخلت رأسي البيت فقلت : وأنا معكم يارسول الله ؟ فقال A : إنك إلى خير إنك إلى خير ] في إسناده من لم يسم وهو شيخ عطاء وبقية رجاله ثقات .
( طريق أخرى ) قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا مصعب بن المقداد حدثنا سعيد بن زربي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن أم سلمة Bها قالت : [ جاءت فاطمة Bها إلى رسول الله A ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق فوضعتها بين يديه A فقال : أين ابن عمك وابناك ؟ فقالت Bها في البيت فقال A : ادعيهم فجاءت إلى علي Bه فقالت : أجب رسول الله A أنت وابناك قالت أم سلمة Bها : فلما رآهم مقبلين مد A يده إلى كساء كان على المنامة فمده وبسطه وأجلسهم عليه ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ] .
( طريق أخرى ) قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن حكيم بن سعد قال : ذكرنا علي بن أبي طالب Bه عند أم سلمة Bها فقالت : في بيتي نزلت { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } قالت أم سلمة : [ جاء رسول الله A إلى بيتي فقال : لاتأذني لأحد فجاءت فاطمة Bها فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ثم جاء الحسن Bه فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه عن جده A وأمه Bها ثم جاء علي Bه فلم أستطع أن أحجبه فاجتمعوا فجللهم رسول الله A بكساء كان عليه ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فنزلت هذه الاية حين اجتمعوا على البساط قالت : فقلت : يارسول الله وأنا ؟ قالت : فوالله ماأنعم وقال : إنك إلى خير ] .
( طريق أخرى ) قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن أبي المعدل عن عطية الطفاوي عن أبيه قال : إن أم سلمة Bها حدثته قالت : [ بينما رسول الله A : في بيتي يوما إذ قالت الخادم : إن فاطمة وعليا Bهما بالسدة قالت : فقال لي رسول الله A قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت : فقمت فتنحيت في البيت قريبا فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين Bهم وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق عليا Bه بإحدى يديه و فاطمة Bها باليد الأخرى وقبل فاطمة وقبل عليا : وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال : اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي قالت : فقلت وأنا يارسول الله ؟ فقال A : وأنت ] .
( طريق أخرى ) قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا الحسن بن عطية حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد عن أم سلمة Bها قالت : إن هذه الاية نزلت في بيتي { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } قالت : [ وأنا جالسة على باب البيت فقلت : يارسول الله ألست من أهل البيت ؟ فقال A : إنك إلى خير أنت من أزواج النبي A قالت : وفي البيت رسول الله A وعلي وفاطمة والحسن والحسين Bهم ] .
( طريق أخرى ) رواها ابن جرير أيضا عن أبي كريب عن وكيع عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أم سلمة Bها .
( طريق أخرى ) قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا خالد بن مخلد حدثني موسى بن يعقوب حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال : أخبرتني أم سلمة Bها قالت : [ إن رسول الله A جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين Bهم ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله D ثم قال : هؤلاء أهل بيتي قالت أم سلمة Bها : فقلت يارسول الله أدخلني معهم فقال A : أنت من أهلي ] .
( طريق أخرى ) رواها ابن جرير أيضا عن أحمد بن محمد الطوسي عن عبد الرحمن بن صالح عن محمد بن سليمان الأصبهاني عن يحيى بن عبيد المكي عن عطاء عن عمر بن أبي سلمة عن أمه Bها بنحو ذلك .
( حديث آخر ) قال ابن جرير : حدثنا وكيع محمد بن بشير عن زكريا عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة قالت : قالت عائشة Bها : [ خرج النبي A ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن Bه فأدخله معه ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ثم جاء علي Bه فأدخله معه ثم قال A : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } ] رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر به .
( طريق أخرى ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا سريج بن يونس أبو الحارث حدثنا محمد بن يزيد عن العوام يعني ابن حوشب Bه عن عم له قال : [ دخلت مع أبي على عائشة Bها فسألتها عن علي Bه فقالت Bها : تسألني عن رجل من أحب الناس إلى رسول الله A وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه ؟ لقد رأيت رسول الله A دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا Bهم فألقى عليهم ثوبا فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت : فدنوت منهم فقلت : يارسول الله وأنا من أهل بيتك ؟ فقال A : تنحي فإنك على خير ] .
( حديث آخر ) قال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى حدثنا بكر بن يحيى بن زبان العنزي حدثنا مندل عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد Bه قال : [ قال رسول الله A نزلت هذه الاية في خمسة : في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } ] قد تقدم أن فضيل بن مرزوق رواه عن عطية عن أبي سعيد عن أم سلمة Bها كما تقدم وروى ابن أبي حاتم من حديث هارون بن سعد العجلي عن عطية عن أبي سعيد Bه موقوفا والله سبحانه وتعالى أعلم .
( حديث آخر ) قال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا بكير بن مسمار قال : سمعت عامر بن سعد Bه قال : قال سعد Bه : [ قال رسول الله A حين نزل عليه الوحي فأخذ عليا وابنيه وفاطمة Bهم فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : رب هؤلاء أهلي وأهل بيتي ] .
( حديث آخر ) وقال مسلم في صحيحه : حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد عن ابن علية قال زهير : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حبان قال : انطلقت أنا و حصين بن سبرة وعمر بن مسلمة إلى زيد بن أرقم Bه فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يازيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله A وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله A قال : ياابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله A فما حدثتكم فاقبلوا ومالا فلا تكلفونيه ثم قال : [ قام فينا رسول الله A يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ] فحث على كتاب الله D ورغب فيه ثم قال [ وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ] ثلاثا فقال له حصين : ومن أهل بيته يازيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس Bهم قال : كل هؤلاء حرم الصدقة بعده ؟ قال : نعم .
ثم رواه عن محمد بن بكار بن الريان عن حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم Bه فذكر الحديث بنحو ما تقدم وفيه فقلت له : من أهل بيته نساؤه ؟ قال : لا وايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده .
هكذا وقع في هذه الرواية والأولى أولى والأخذ بها أحرى وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط بل هم مع آله وهذا الاحتمال أرجح جمعا بينهما وبين الرواية التي قبلها وجمعا أيضا بين القرآن والأحاديث المتقدمة إن صحت فإن في بعض أسانيدها نظرا والله أعلم ثم الذي لا شك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي A داخلات في قوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } فإن سياق الكلام معهن ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله A في بيوتكن من الكتاب والسنة قاله قتادة وغير واحد واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس و عائشة الصديقة بنت الصديق Bهما أولاهن بهذه النعمة وأحظاهن بهذه الغنيمة وأخصهن من هذه الرحمة العميمة فإنه لم ينزل على رسول الله A الوحي في فراش امرأة سواها كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه قال بعض العلماء C : لأنه لم يتزوج بكرا سواها ولم ينم معها رجل في فراشها سواه A وBها فناسب أن تخصص بهذه المزية وأن تفرد بهذه المرتبة العليا ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية كما تقدم في الحديث [ وأهل بيتي أحق ] وهذا مايشبه ماثبت في صحيح مسلم [ أن رسول الله A لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال : هو مسجدي هذا ] فهذا من هذا القبيل فإن الاية إنما نزلت في مسجد قباء كما ورد في الأحاديث الأخر ولكن إذا كان ذاك أسس على التقوى من أول يوم فمسجد رسول الله A أولى بتسميته بذلك والله أعلم .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي جميلة قال : إن الحسن بن علي Bهما استخلف حين قتل علي Bهما قال : فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجره وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد و حسن Bه ساجد قال : فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرا ثم برأ فقعد على المنبر فقال : ياأهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذي قال الله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } قال فما زال يقولها حتى ما بقي أحد في المسجد إلا وهو يحن بكاء .
وقال السدي عن أبي الديلم قال : قال علي بن الحسين Bهما لرجل من الشام : أما قرأت في الأحزاب { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } ؟ فقال : نعم ولأنتم هم ؟ قال : نعم وقوله تعالى : { إن الله كان لطيفا خبيرا } أي بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة وبخبرته بكن وأنكن أهل لذلك أعطاكن ذلك وخصكن بذلك قال ابن جرير C : واذكرن نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة فاشكرن الله تعالى على ذلك واحمدنه { إن الله كان لطيفا خبيرا } أي ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آيات الله والحكمة وهي السنة خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله وقال قتادة { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } قال : يمتن عليهن بذلك رواه ابن جرير وقال عطية العوفي في قوله تعالى : { إن الله كان لطيفا خبيرا } يعني لطيفا باستخراجها خبيرا بموضعها رواه ابن أبي حاتم ثم قال : وكذا روي عن الربيع بن أنس عن قتادة