يقول تعالى مخبرا عن وصية لقمان لولده وهو لقمان بن عنقاء بن سدون واسم ابنه ثاران في قول حكاه السهيلي وقد ذكره الله تعالى بأحسن الذكر وأنه آتاه الحكمة وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف ولهذا أوصاه أولا بأن يعبد الله ولا يشرك به شيئا ثم قال محذرا له { إن الشرك لظلم عظيم } أي هو أعظم الظلم قال البخاري : حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : لما نزلت { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ إنه ليس بذاك ألا تسمع إلى قول لقمان { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } ] ورواه مسلم من حديث الأعمش به ثم قرن بوصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين كما قال تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } وكثيرا ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن وقال ههنا { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن } قال مجاهد : مشقة وهن الولد وقال قتادة جهدا على جهد وقال عطاء الخراساني ضعفا على ضعف .
وقوله { وفصاله في عامين } أي تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين كما قال تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } الاية ومن ههنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأنه قال في الاية الأخرى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلا ونهارا ليذكر الولد بإحسانها المتقدم إليه كما قال تعالى : { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } ولهذا قال { أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } أي فإني سأجزيك على ذلك أوفر جزاء .
قال ابن حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا عبد الله بن أبي شيبة ومحمود بن غيلان قالا : حدثنا عبيد الله أخبرنا إسرائيل عن أبي اسحاق عن سعيد بن وهب قال : قدم علينا معاذ بن جبل وكان بعثه النبي صلى الله عليه وسلّم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلّم إليكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تطيعوني لا آلوكم خيرا وإن المصير إلى الله إلى الجنة أو إلى النار إقامة فلا ظعن وخلود فلا موت .
وقوله { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } أي إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا أي محسنا إليهما { واتبع سبيل من أناب إلي } يعني المؤمنين { إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } قال الطبراني في كتاب العشرة : حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد حدثنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند أن سعد بن مالك قال : أنزلت في هذه الاية { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } الاية قال : كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت : يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت لتدعن دينك هذا أو لاآكل و لا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال : يا قاتل أمه فقلت : لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء فمكثت يوما وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت مكثت يوما وليلة أخرى لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها فلما رأيت ذلك قلت : يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي فأكلت