يبين تعالى كيف يخلق السحاب الذي ينزل منه الماء فقال تعالى : { الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاب } إما من البحر كما ذكره غير واحد أو مما يشاء الله D { فيبسطه في السماء كيف يشاء } أي يمده فيكثره وينميه ويجعل من القليل كثير ينشىء سحابة ترى في رأي العين مثل الترس ثم يبسطها حتى تملأ أرجاءالأفق وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالا مملوءة كما قال تعالى : { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون } وكذلك قال ههنا { الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا } قال مجاهد وأبو عمرو بن العلاء ومطر الوراق وقتادة : يعني قطعا وقال غيره : متراكما كما قاله الضحاك وقال غيره : أسود من كثرة الماء تراه مدلهما ثقيلا قريبا من الأرض .
وقوله تعالى : { فترى الودق يخرج من خلاله } أي فترى المطر وهو القطر يخرج من بين ذلك السحاب { فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون } أي إليه يفرحون لحاجتهم بنزوله عليهم ووصوله إليهم وقوله تعالى : { وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين } معنى الكلام أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قنطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك فلما جاءهم جاءهم على فاقة فوقع منهم موقعا عظيما وقد اختلف النحاة في قوله { من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين } فقال ابن جرير : هو تأكيد وحكاه عن بعض أهل العربية وقال آخرون : من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله أي الإنزال لمبلسين ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس ويكون معنى الكلام أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله ومن قبله أيضا قد فات عندهم نزوله وقتا بعد وقت فترقبوه في إبانه فتأخر ثم مضت مدة فترقبوه فتأخر ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط فبعدما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ولهذا قال تعالى : { فانظر إلى آثار رحمة الله } يعني المطر { كيف يحيي الأرض بعد موتها } ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها فقال تعالى : { إن ذلك لمحيي الموتى } أي إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات { إنه على كل شيء قدير } ثم قال تعالى : { ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون } يقول تعالى : { ولئن أرسلنا ريحا } يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشب واستوى على سوقه فرأوه مصفرا أي قد أصفر وشرع في الفساد لظلوا من بعده أي بعد هذا الحال يكفرون أي يجحدون ما تقدم إليهم من النعم كقوله تعالى : { أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون } .
فال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال : الرياح ثمانية : أربعة منها رحمة وأربعة عذاب فأما الرحمة : فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات وأما العذاب : فالعقيم والصرصر وهما في البر والعاصف والقاصف وهما في البحر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب حدثنا عمي حدثنا عبد الله بن عياش حدثني عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ الريح مسخرة من الثانية ـ يعني الأرض الثانية ـ فلما أراد أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا فقال : يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور قال له الجبار تبارك وتعالى : لا إذا تكفأ الأرض وما عليها ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله في كتابه { ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } ] هذا حديث غريب ورفعه منكر والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه