أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة وقوله تعالى : { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } استفهام إنكار ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح [ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ] وهذه الاية كقوله : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ومثلها في سورة براءة وقال في البقرة : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } ولهذا قال ههنا { ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله : { إلا لنعلم } إلا لنرى وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالموجود والعلم أعم من الرؤية فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود .
وقوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون } أي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم ولهذا قال : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } أي يفوتونا { ساء ما يحكمون } أي بئس ما يظنون