لما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون الذي إنما خرج من ديار مصر فرارا منه وخوفا من سطوته { قال رب إني قتلت منهم نفسا } يعني ذلك القبطي { فأخاف أن يقتلون } أي إذا رأوني { وأخي هارون هو أفصح مني لسانا } وذلك أن موسى عليه السلام كان في لسانه لثغة بسبب ما كان تناول تلك الجمرة حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه فحصل فيه شدة في التعبير ولهذا قال : { واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري } أي يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد ولهذا قال : { وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا } أي وزيرا ومعينا ومقويا لأمري يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله D لأن خبر الاثنين أنجع في النفوس من خبر الواحد ولهذا قال : { إني أخاف أن يكذبون } .
وقال محمد بن إسحاق { ردءا يصدقني } أي يبين لهم عني ما أكلمهم به فإنه يفهم عني ما لا يفهمون فلما سأل ذلك موسى قال الله تعالى : { سنشد عضدك بأخيك } أي سنقوي أمرك ونعز جانبك بأخيك الذي سألت له أن يكون نبيا معك كما قال في الاية الأخرى : { قد أوتيت سؤلك يا موسى } وقال تعالى : { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } ولهذا قال بعض السلف : ليس أحد أعظم منة على أخيه من موسى على هارون عليهما السلام فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا معه إلى فرعون وملائه ولهذا قال تعالى في حق موسى { وكان عند الله وجيها } .
وقوله تعالى : { ونجعل لكما سلطانا } أي حجة قاهرة { فلا يصلون إليكما بآياتنا } أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله كما قال تعالى : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } وقال تعالى : { الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا } أي وكفى بالله ناصرا ومعينا ومؤيدا ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولمن اتبعهما في الدنيا والاخرة فقال تعالى : { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } كما قال تعالى : { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز } وقال تعالى : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا } إلى آخر الاية ووجه ابن جرير على أن المعنى : ونجعل لكما سطانا فلا يصلون إليكما ثم يبتدىء فيقول : { بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون } تقديره أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا ولا شك أن هذا المعنى صحيح وهو حاصل من التوجيه الأول فلا حاجة إلى هذا والله أعلم