يقول تعالى مخبرا رسوله وآمرا له أن يقول : { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء } كما قال تعالى : { قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم } وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها والاعتناء بها كما قال تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } وقوله تعالى : { الذي حرمها } أي الذي إنما صارت حراما شرعا وقدرا بتحريمه لها كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة : [ إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها ] الحديث بتمامه وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع كما هو مبين في موضعه من كتاب الأحكام ولله الحمد والمنة .
وقوله تعالى : { وله كل شيء } من باب عطف العام على الخاص أي هو رب هذه البلدة ورب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو { وأمرت أن أكون من المسلمين } أي الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له وقوله : { وأن أتلو القرآن } أي على الناس أبلغهم إياه كقوله تعالى : { ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم } وكقوله تعالى : { نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق } الاية أي أنا مبلغ ومنذر { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين } أي لي أسوة بالرسل الذين أنذروا قومهم وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم وخلصوا من عهدتهم وحساب أممهم على الله تعالى كقوله تعالى : { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } وقال { إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل } { وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها } أي لله الحمد الذي لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه والإنذار إليه ولهذا قال تعالى : { سيريكم آياته فتعرفونها } كما قال تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } .
وقوله تعالى : { وما ربك بغافل عما تعملون } أي بل هو شهيد على كل شيء قال ابن أبي حاتم : ذكر عن أبي عمر الحوضي حفص بن عمر حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي حدثنا سعيد بن أبي سعيد سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ يا أيها الناس لا يغترن أحدكم بالله فإن الله لو كان غافلا شيئا لأغفل البعوضة والخردلة والذرة ] وقال أيضا : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا نصر بن علي قال أبي أخبرني خالد بن قيس عن مطر عن عمر بن عبد العزيز قال : فلو كان الله مغفلا شيئا لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم وقد ذكر عن الإمام أحمد C تعالى أنه كان ينشد هذين البيتين إما له وإما لغيره : .
( إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب ) .
( ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب ) .
آخر تفسير سورة النمل ولله الحمد والمنة