يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلّم أن يقول معلما لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله وقوله تعالى : { إلا الله } استثناء منقطع أي لا يعلم أحد ذلك إلا الله D فإنه المنفرد بذلك وحده لا شريك له كما قال تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } الاية وقال تعالى : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث } إلى آخر السورة والايات في هذا كثيرة وقوله تعالى : { وما يشعرون أيان يبعثون } أي وما يشعر الخلائق الساكنون في السموات والأرض بوقت الساعة كما قال تعالى : { ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة } أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن الجعد حدثنا أبو جعفر الرازي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة Bها قالت : من زعم أنه يعلم ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلّم ـ ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية لأن الله تعالى يقول : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } وقال قتادة : إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها زينة للسماء وجعلها يهتدى بها وجعلها رجوما للشياطين فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به وإن أناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والدميم وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب وقضى الله تعالى أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون رواه ابن أبي حاتم بحروفه وهو كلام جليل متين صحيح .
وقوله : { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها } أي انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها وقرأ آخرون { بل ادارك علمهم } أي تساوى علمهم في ذلك كما في الصحيح لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لجبريل وقد سأله عن وقت الساعة : [ ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ] أي تساوى في العجز عن درك ذلك علم المسؤول والسائل قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { بل ادارك علمهم في الآخرة } أي غاب وقال قتادة { بل ادارك علمهم في الآخرة } يعني بجهلهم بربهم يقول لم ينفذ لهم علم في الاخرة هذا قول وقال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس { بل ادارك علمهم في الآخرة } حين لم ينفع العلم وبه قال عطاء الخراساني والسدي أن علمهم إنما يدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك كما قال تعالى : { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين } وقال سفيان عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه كان يقرأ { بل ادارك علمهم } قال : اضمحل علمهم في الدنيا حين عاينوا الاخرة .
وقوله تعالى : { بل هم في شك منها } عائد على الجنس والمراد الكافرون كما قال تعالى : { وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا } أي الكافرون منكم وهكذا قال ههنا : { بل هم في شك منها } أي شاكون في وجودها ووقوعها { بل هم منها عمون } أي في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها