يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلّم أن يقول : { الحمد لله } أي على نعمه على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم وهم رسله وأنبياؤه الكرام عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره : إن المراد بعباده الذين اصطفى هم الأنبياء قال : وهو كقوله : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين } وقال الثوري والسدي : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم ورضي عنهم أجمعين وروي نحوه عن ابن عباس أيضا ولا منافاة فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ذكره لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر أن يحمدوه على جميع أفعاله وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار .
وقد قال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح حدثنا طلق بن غنام حدثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس { وسلام على عباده الذين اصطفى } قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم اصطفاهم الله لنبيه Bهم وقوله تعالى : { آلله خير أما يشركون } استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة آخرى ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره فقال تعالى : { أمن خلق السماوات } أي خلق تلك السموات في ارتفاعها وصفائها وما جعل فيها من الكواكب النيرة والنجوم الزاهرة والأفلاك الدائرة وخلق الأرض في استفالها وكثافتها وما جعل فيها من الجبال والأطواد والسهول والأوعار والفيافي والقفار والزروع والأشجار والثمار والبحار والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك .
وقوله تعالى : { وأنزل لكم من السماء ماء } أي جعله رزقا للعباد { فأنبتنا به حدائق } أي بساتين { ذات بهجة } أي منظر حسن وشكل بهي { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } أي لم تكونوا تقدرون على إنبات أشجارها وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق المستقل بذلك المتفرد به دون ما سواه من الأصنام والأنداد كما يعترف به هؤلاء المشركون كما قال تعالى في الاية الأخرى { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } { ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله } أي هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق ولهذا قال تعالى : { أإله مع الله ؟ } أي أإله مع الله يعبد وقد تبين لكم ولكل ذي لب مما يعترفون به أيضا أنه الخالق الرازق .
ومن المفسرين من يقول معنى قوله : { أإله مع الله } فعل هذا وهو يرجع إلى معنى الأول لأن تقدير الجواب أنهم يقولون ليس ثم أحد فعل هذا معه بل هو المتفرد به فيقال فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والرزق والتدبير ؟ كما قال تعالى : { أفمن يخلق كمن لا يخلق } الاية وقوله تعالى ههنا : { أمن خلق السموات والأرض } { أمن } في هذه الايات كلها تقديره أمن يفعل هذه الأشياء كمن لا يقدر على شيء منها ؟ هذا معنى السياق وإن لم يذكر الاخر لأن في قوة الكلام ما يرشد إلى ذلك وقد قال الله تعالى : { آلله خير أما يشركون } .
ثم قال في الاية الأخرى : { بل هم قوم يعدلون } أي يجعلون لله عدلا ونظيرا وهكذا قال تعالى : { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه } أي أمن هو هكذا كمن ليس كذلك ؟ ولهذا قال تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب } { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين } وقال تعالى : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } أي أمن هو شهيد على أفعال الخلق حركاتهم وسكناتهم يعلم الغيب جليله وحقيره كمن هو لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر من هذه الأصنام التي عبدوها من دون الله ؟ ولهذا قال { وجعلوا لله شركاء قل سموهم } وهكذا هذه الايات الكريمة كلها