يقول تعالى : يا محمد هذا الذي وصفناه لك من حال الأشقياء الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم فتلقاهم بوجه عبوس وبغيظ وزفير ويلقون في أماكنها الضيق مقرنين لا يستطيعون حراكا ولا استنصارا ولا فكاكا مما هم فيه أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده التي أعدها لهم وجعلها لهم جزاء ومصيرا على ماأطاعوه في الدنيا وجعل مآلهم إليها { لهم فيها ما يشاؤون } من الملاذ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ومناظر وغير ذلك مما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد وهم في ذلك خالدون أبدا دائما سرمدا بلاانقطاع ولا زوال ولا انقضاء ولا يبغون عنها حولا وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم وأحسن به إليهم ولهذا قال { كان على ربك وعدا مسؤولا } أي لابد أن يقع وأن يكون كما حكاه أبو جعفر بن جرير عن بعض علماء العربية أن معنى قوله { وعدا مسؤولا } أي وعدا واجبا .
وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس { كان على ربك وعدا مسؤولا } يقول : سلوا الذي وعدتكم ـ أو قال وعدناكم ـ ننجز وعدهم وتنجزوه وقال محمد بن كعب القرظي في قوله { كان على ربك وعدا مسؤولا } إن الملائكة تسأل لهم ذلك { ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم } وقال أبو حازم : إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون : ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا فذلك قوله { وعدا مسؤولا } وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار ثم التنبيه على حال أهل الجنة كما ذكر تعالى في سورة الصافات حال أهل الجنة وما فيها من النضرة والحبور ثم قال { أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رؤوس الشياطين * فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم * إنهم ألفوا آباءهم ضالين * فهم على آثارهم يهرعون }