يخبر تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق أي بالعدل والقسط { ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } وأنه لم يخلق ذلك عبثا ولا لعبا كما قال : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } وقوله تعالى : { لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين } قال ابن أبي نجيح عن مجاهد { لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا } يعني من عندنا يقول : وما خلقنا جنة ولا نارا ولا موتا ولا بعثا ولا حسابا وقال الحسن وقتادة وغيرهما { لو أردنا أن نتخذ لهوا } اللهو المرأة بلسان أهل اليمن وقال إبراهيم النخعي { لاتخذناه } من الحور العين وقال عكرمة والسدي : والمراد باللهو ههنا الولد وهذا والذي قبله متلازمان وهو كقوله تعالى : { لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار } فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقا ولا سيما عما يقولون من الإفك والباطل من اتخاذ عيسى أو العزير أو الملائكة سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا .
وقوله : { إن كنا فاعلين } قال قتادة والسدي وإبراهيم النخعي ومغيرة بن مقسم : أي ما كنا فاعلين وقال مجاهد كل شيء في القرآن { إن } فهو إنكار وقوله : { بل نقذف بالحق على الباطل } أي نبين الحق فيدحض الباطل ولهذا قال : { فيدمغه فإذا هو زاهق } أي ذاهب مضمحل { ولكم الويل } أي أيها القائلون لله ولد { مما تصفون } أي تقولون وتفترون ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم في طاعته ليلا ونهارا فقال : { وله من في السموات والأرض ومن عنده } يعني الملائكة { لا يستكبرون عن عبادته } أي لا يستنكفون عنها كما قال : { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا } .
وقوله : { ولا يستحسرون } أي لا يتعبون ولا يملون { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } فهم دائبون في العمل ليلا ونهارا مطيعون قصدا وعملا قادرون عليه كما قال تعالى : { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال : [ بينا رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أصحابه إذ قال لهم هل تسمعون ما أسمع ؟ قالوا : ما نسمع من شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ] غريب ولم يخرجوه ثم رواه ـ أعني ابن أبي حاتم ـ من طريق يزيد بن أبي زريع عن سعيد عن قتادة مرسلا وقال أبو إسحاق عن حسان بن مخارق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام فقلت له : أرأيت قول الله تعالى للملائكة : { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل فقال : من هذا الغلام ؟ فقالوا من بني عبد المطلب قال فقبل رأسي ثم قال : يا بني إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس ؟