يقول تعالى : { أفلم يهد } لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به يا محمد كم أهلكنا من الأمم المكذبين بالرسل قبلهم فبادوا فليس لهم باقية ولا عين ولا أثر كما يشاهدون ذلك من ديارهم الخالية التي خلفوهم فيها يمشون فيها { إن في ذلك لآيات لأولي النهى } أي العقول الصحيحة والألباب المستقيمة كما قال تعالى : { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } وقال في سورة الم السجدة : { أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم } الاية ثم قال تعالى : { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى } أي لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لايعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه والأجل المسمى الذي ضربه الله تعالى لهؤلاء المكذبين إلى مدة معينة لجاءهم العذاب بغتة ولهذا قال لنبيه مسليا له : { فاصبر على ما يقولون } أي من تكذيبهم لك { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس } يعني صلاة الفجر { وقبل غروبها } يعني صلاة العصر كما جاء في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي Bه قال : [ كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ] ثم قرأ هذه الاية .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عمارة بن رؤيبة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : [ لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ] رواه مسلم من حديث عبدالملك بن عمير به وفي المسند والسنن عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر الى أقصاه كما ينظر الى أدناه وإن أعلاهم منزلة لمن ينظر إلى الله تعالى في اليوم مرتين ] .
وقوله : { ومن آناء الليل فسبح } أي من ساعاته فتهجد به وحمله بعضهم على المغرب والعشاء { وأطراف النهار } في مقابلة آناء الليل { لعلك ترضى } كما قال تعالى : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وفي الصحيح [ يقول الله تعالى ياأهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول : إني أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون : وأي شىء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ] وفي الحديث الاخر [ يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه : فيقولون : وما هو ؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه فو الله ما أعطاهم خيرا من النظر إليه وهي الزيادة ]