قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب حدثنا غالب بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن وقال بعضهم : يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له : إنا اختلفنا في الورود فقال : يردونها جميعا وقال سليمان بن مرة : يدخلونها جميعا وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه وقال : صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول [ لا يبقى برولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا ] غريب ولم يخرجوه .
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية عن بكار بن أبي مروان عن خالد بن معدان قال : قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال : قد مررتم عليها وهي خامدة وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : كان عبد الله بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته فقال : ما يبكيك ؟ قالت رأيتك تبكي فبكيت قال : إني ذكرت قول الله D { وإن منكم إلا واردها } فلا أدري أأنجو منها أم لا ـ وفي رواية وكان مريضا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا ابن يمان عن مالك بن مغول عن أبي إسحاق كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال : ياليت أمي لم تلدني ثم يبكي فقيل له : ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ قال : أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها وقال عبد الله بن المبارك عن الحسن البصري قال : قال رجل لأخيه : هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال : نعم قال : فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال : لا قال : ففيم الضحك ؟ قال : فما رئي ضاحكا حتى لحق بالله وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق فقال ابن عباس : الورود الدخول فقال نافع : لا فقرأ ابن عباس { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } وردوا أم لا وقال : { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } أوردها أم لا أما أنا وأنت فسندخلها فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك فضحك نافع .
وروى ابن جريج عن عطاء قال : قال أبو راشد الحروري وهو نافع بن الأزرق { لا يسمعون حسيسها } فقال ابن عباس : ويلك أمجنون أنت ؟ أين قوله : { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } { ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا } { وإن منكم إلا واردها } والله إن كان دعاء من مضى : اللهم أخرجني من النار سالما وأدخلني الجنة غانما وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا أسباط عن عبد الملك عن عبيد الله عن مجاهد قال : كنت عند ابن عباس فأتاه رجل يقال له أبو راشد وهو نافع بن الأزرق فقال له : ياابن عباس أرأيت قول الله : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا } ؟ قال : أما أنا وأنت ياأبا راشد فسنردها فانظر هل نصدر عنها أم لا ؟ .
وقال أبو داود الطيالسي : قال شعبة : أخبرني عبد الله بن السائب عمن سمع ابن عباس يقرؤها { وإن منكم إلا واردها } يعني الكفار وهكذا روى عمر بن الوليد الشني أنه سمع عكرمة يقرؤها كذلك { وإن منكم إلا واردها } قال وهم الظلمة كذلك كنا نقرؤها رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال العوفي عن ابن عباس : قوله : { وإن منكم إلا واردها } يعني البر والفاجر ألا تسمع إلى قول الله لفرعون : { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } الاية { ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا } فسمى الورود على النار دخولا وليس بصادر .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل عن السدي عن مرة عن عبد الله هو ابن مسعود { وإن منكم إلا واردها } قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ يرد الناس كلهم ثم يصدرون عنها بأعمالهم ] ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله عن إسرائيل عن السدي به ورواه من طريق شعبة عن السدي عن مرة عن ابن مسعود موقوفا هكذا وقع هذا الحديث ههنا مرفوعا وقد رواه أسباط عن السدي عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال : يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم فمنهم من يمر مثل البرق ومنهم من يمر مثل الريح ومنهم من يمر مثل الطير ومنهم من يمر كأجود الخيل ومنهم من يمر كأجود الإبل ومنهم من يمر كعدو الرجل حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط والصراط دحض مزلة عليه حسك كحسك القتاد حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس وذكر تمام الحديث رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا خلاد بن أسلم حدثنا النضر حدثنا إسرائيل أخبرنا ابو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قوله : { وإن منكم إلا واردها } قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطبقة الأولى كالبرق والثانية كالريح والثالثة كأجود الخيل والرابعة كأجود البهائم ثم يمرون والملائكة يقولون : اللهم سلم سلم ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما من رواية أنس وأبي سعيد وأبي هريرة وجابر وغيرهم من الصحابة Bهم وقال ابن جرير : حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن الجريري عن أبي السليل عن غنيم بن قيس قال : ذكروا ورود النار فقال كعب : تمسك النار الناس كأنها متن إهالة حتى يستوي عليها أقدام الخلائق : برهم وفاجرهم ثم يناديها مناد : أن أمسكي أصحابك ودعي أصحابي قال فتخسف بكل ولي لها وهي أعلم بهم من الرجل بولده ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم قال كعب : ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة مع كل واحد منهم عمود ذو شعبتين يدفع به الدفع فيصرع به في النار سبعمائة ألف .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن حفصة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدرا والحديبية قالت : فقلت أليس الله يقول : { وإن منكم إلا واردها } قالت : فسمعته يقول { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } ] وقال أحمد أيضا : حدثنا ابن إدريس حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بيت حفصة فقال : [ لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية قالت حفصة : أليس الله يقول { وإن منكم إلا واردها } ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : { ثم ننجي الذين اتقوا } الاية ] وفي الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم ] .
وقال عبد الرزاق قال معمر أخبرني الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال [ من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم ] يعني الورود وقال أبو داود الطيالسي حدثنا زمعة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : [ لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم ] قال الزهري كأنه يريد هذه الاية { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا } وقال ابن جرير حدثني عمران بن بكار الكلاعي حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : [ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعود رجلا من أصحابه وعك وأنا معه ثم قال إن الله تعالى يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الاخرة ] غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه .
وحدثنا أبو كريب حدثنا ابن يمان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال : الحمى حظ كل مؤمن من النار ثم قرأ { وإن منكم إلا واردها } وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة فقال عمر : إذا نستكثر يارسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم الله أكثر وأطيب ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا إن شاء الله ومن حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا بأجر سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ] قال تعالى : { وإن منكم إلا واردها } وإن الذكر في سبيل الله يضاعف فوق النفقة بسبعمائة ضعف وفي رواية بسبعمائة ألف ضعف .
وروى أبو داود عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب كلاهما عن زبان عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ] وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله : { وإن منكم إلا واردها } قال : هو الممر عليها وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وإن منكم إلا واردها } قال : ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهرانيها وورود المشركين أن يدخلوها وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : [ الزالون والزالات يومئذ كثير وقد أحاط بالجسر يومئذ سماطان من الملائكة دعاؤهم يا ألله سلم سلم ] وقال السدي عن مرة عن ابن مسعود في قوله { كان على ربك حتما مقضيا } قال : قسما واجبا وقال مجاهد : حتما قال قضاء وكذا قال ابن جريج .
وقوله : { ثم ننجي الذين اتقوا } أي إذا مر الخلائق كلهم على النار وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي بحسبهم نجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون فيخرجون خلقا كثيرا قد أكلتهم النار إلا دارات وجوههم وهي مواضع السجود وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان فيخرجون أولا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم الذي يليه حتى يخرجون من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان ثم يخرج الله من النار من قال يوما من الدهر : لا إله إلا الله وإن لم يعمل خيرا قط ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله A ولهذا قال تعالى : { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }