لما ذكر تعالى إبراهيم الخليل وأثنى عليه عطف بذكر الكليم فقال : { واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا } قرأ بعضهم بكسر اللام من الإخلاص في العبادة قال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي لبابة قال : قال الحواريون : يا روح الله أخبرنا عن المخلص لله ؟ قال : الذي يعمل لله لا يحب أن يحمده الناس وقرأ الاخرون بفتحها بمعنى أنه كان مصطفى كما قال تعالى : { إني اصطفيتك على الناس } { وكان رسولا نبيا } جمع الله له بين الوصفين فإنه كان من المرسلين الكبار أولي العزم الخمسة وهم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وعلى سائر الأنبياء أجمعين .
وقوله : { وناديناه من جانب الطور } أي الجبل { الأيمن } من موسى حين ذهب يبتغي من تلك النار جذوة فرآها تلوح فقصدها فوجدها في جانب الطور الأيمن منه عند شاطىء الوادي فكلمه الله تعالى وناداه وقربه فناجاه روى ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى هو القطان حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { وقربناه نجيا } قال : أدني حتى سمع صريف القلم وهكذا قال مجاهد وأبو العالية وغيرهم : يعنون صريف القلم بكتابة التوارة وقال السدي : { وقربناه نجيا } قال : أدخل في السماء فكلم وعن مجاهد نحوه .
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة { وقربناه نجيا } قال : نجا بصدقه وروى ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الجبار بن عاصم حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي واصل عن شهر بن حوشب عن عمرو بن معد يكرب قال : لما قرب الله موسى نجيا بطور سيناء قال : يا موسى إذا خلقت لك قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعين على الخير فلم أخزن عنك من الخير شيئا ومن أخزن عنه هذا فلم أفتح له من الخير شيئا وقوله : { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } أي وأجبنا سؤاله وشفاعته في أخيه فجعلناه نبيا كما قال في الاية الأخرى { وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون } وقال : { قد أوتيت سؤلك يا موسى } وقال : { فأرسل إلى هارون * ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون } ولهذا قال بعض السلف : ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبيا قال الله تعالى : { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } قال ابن جرير : حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية عن داود عن عكرمة قال : قال ابن عباس قوله : { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } قال : كان هارون أكبر من موسى ولكن أراد وهب نبوته له وقد ذكره ابن أبي حاتم معلقا عن يعقوب وهو ابن إبراهيم الدورقي به