يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله D المانعين من تسميته بالرحمن { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } أي لا فرق بين دعائكم له باسم الله أو باسم الرحمن فإنه ذو الأسماء الحسنى كما قال تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض } الاية وقد روى مكحول أن رجلا من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلّم وهو يقول في سجوده : [ يا رحمن يا رحيم ] فقال : إنه يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو اثنين فأنزل الله هذه الاية وكذا روي عن ابن عباس رواهما ابن جرير .
وقوله : { ولا تجهر بصلاتك } الاية قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نزلت هذه الاية ورسول الله صلى الله عليه وسلّم متوار بمكة { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال : كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به قال : فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم : { ولا تجهر بصلاتك } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن { ولا تخافت بها } عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك { وابتغ بين ذلك سبيلا } أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به وكذا رواه الضحاك عن ابن عباس وزاد : فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك يفعل أي ذلك شاء .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا جهر بالقرآن وهويصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يسمع فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلّم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئا فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك } فيتفرقوا عنك { ولا تخافت بها } فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم فلعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به { وابتغ بين ذلك سبيلا } وهكذا قال عكرمة والحسن البصري وقتادة : نزلت هذه الاية في القراءة في الصلاة وقال شعبة عن الأشعث بن أبي سليم عن الأسود بن هلال عن ابن مسعود لم يخافت بها من أسمع أذنيه .
قال ابن جرير : حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية عن سلمى بن علقمة عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته وأن عمر كان يرفع صوته فقيل لأبي بكر : لم تصنع هذا ؟ قال : أناجي ربي D وقد علم حاجتي فقيل : أحسنت وقيل لعمر : لم تصنع هذا ؟ قال : أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان قيل : أحسنت فلما نزلت { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا } قيل لأبي بكر : ارفع شيئا وقيل لعمر : اخفض شيئا وقال أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس : نزلت في الدعاء وهكذا روى الثوري ومالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة Bها أنها نزلت في الدعاء وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو عياض ومكحول وعروة بن الزبير وقال الثوري عن ابن عياش العامري عن عبد الله بن شداد قال : كان أعرابي من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ اللهم ارزقنا إبلا وولدا ] قال : فنزلت هذه الاية { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } .
( قول آخر ) قال ابن جرير : حدثنا أبو السائب حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة Bها : نزلت هذه الاية في التشهد { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } وبه قال حفص عن أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين مثله .
( قول آخر ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال : لا تصل مراءاة للناس ولا تدعها مخافة الناس وقال الثوري عن منصور عن الحسن البصري { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال : لا تحسن علانيتها وتسيء سريرتها وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن به و هشيم عن عوف عنه به و سعيد عن قتادة عنه كذلك .
( قول آخر ) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وابتغ بين ذلك سبيلا } قال : أهل الكتاب يخافتون ثم يجهر أحدهم بالحرف فيصيح به ويصيحون هم به وراءه فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء وأن يخافت كما يخافت القوم ثم كان السبيل الذي بين ذلك الذي سن له جبريل من الصلاة .
وقوله : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى نزه نفسه عن النقائض فقال : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك } بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد { ولم يكن له ولي من الذل } أي ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ولي أو وزير أو مشير بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له ومدبرها ومقدرها وحده لا شريك له قال مجاهد في قوله : { ولم يكن له ولي من الذل } لم يحالف أحد ولم يبتغ نصر أحد { وكبره تكبيرا } أى عظمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا .
قال ابن جرير : حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني أبو صخر عن القرظي أنه كان يقول في هذه الاية { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } الاية قال إن اليهود والنصارى يقولون اتخذ الله ولدا وقالت العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وقال الصابئون والمجوس : لولا أولياء الله لذل فأنزل الله هذه الاية { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا } وقال أيضا : حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يعلم أهله هذه الاية { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } الاية الصغير من أهله والكبير قلت وقد جاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سمى هذه الاية آية العز وفي بعض الاثار أنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة والله أعلم .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا بشر بن سيحان البصري حدثنا حرب بن ميمون حدثنا موسى بن عبيدة الزبيدي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال : [ خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلّم ويده في يدي أو يدي في يده فأتى على رجل رث الهيئة فقال : أي فلان ما بلغ بك ما أرى ؟ قال : السقم والضر يا رسول الله قال : ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر ؟ قال : ما يسرني بها أن شهدت معك بدرا أو أحدا قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال : وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟ قال : فقال أبو هريرة : يا رسول الله إياي فعلمني قال : فقل يا أبا هريرة توكلت على الحي الذي لا يموت الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا قال : فأتى علي رسول الله وقد حسنت حالي قال : فقال لي مهيم قال : قلت يا رسول الله لم أزل أقول الكلمات التي علمتني ] إسناده ضعيف وفي متنه نكارة والله أعلم آخر تفسير سورة سبحان و لله الحمد والمنة