يقول تعالى بعد ذكر الزمان وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } وطائره هو ما طار عنه من عمله كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما من خير وشر ويلزم به ويجازى عليه { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقال تعالى : { عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } وقال : { وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون } وقال : { إنما تجزون ما كنتم تعملون } وقال { من يعمل سوءا يجز به } الاية والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه قليله وكثيره ويكتب عليه ليلا ونهارا صباحا ومساء .
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : [ طائر كل إنسان في عنقه ] قال ابن لهيعة : يعني الطيرة وهذا القول من ابن لهيعة في تفسير هذا الحديث غريب جدا والله أعلم .
وقوله : { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } أي نجمع له عمله كله في كتاب يعطاه يوم القيامة إما بيمينه إن كان سعيدا أو بشماله إن كان شقيا منشورا أي مفتوحا يقرؤه هو وغيره فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر * بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره } ولهذا قال تعالى : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } أي إنك لم تظلم ولم يكتب عليك إلا ما عملت لأنك ذكرت جميع ما كان منك ولا ينسى أحد شيئا مما كان منه وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي وقوله : { ألزمناه طائره في عنقه } إنما ذكر العنق لأنه عضو من الأعضاء لا نظير له في الجسد ومن ألزم بشيء فيه فلا محيد له عنه كما قال الشاعر .
( اذهب بها اذهب بها ... طوقتها طوق الحمام ) .
قال قتادة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : [ لا عدوى ولا طيرة وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ] كذا رواه ابن جرير وقد رواه الإمام عبد بن حميد في مسنده متصلا فقال : حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول [ طير كل عبد في عنقه ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق حدثنا عبد الله حدثنا ابن ليهعة حدثني يزيد أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر Bه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة : يا ربنا عبدك فلان قد حبسته فيقول الرب جل جلاله : اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت ] إسناده جيد قوي ولم يخرجوه وقال معمر عن قتادة : { ألزمناه طائره في عنقه } قال عمله { ونخرج له يوم القيامة } قال : نخرج ذلك العمل { كتابا يلقاه منشورا } قال معمر وتلا الحسن البصري { عن اليمين وعن الشمال قعيد } يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والاخر عن شمالك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا اقرأ كتابك الاية فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك هذا من أحسن كلام الحسن C