فصل نذكر فيه من يطلق عليه اسم الصحبة .
قال الإمام أبو بكر أحمد بن علي الحافظ بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال : الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله A سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين .
قال الواقدي : ورأينا أهل العلم يقولون : كل من رأى رسول الله - A - وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب رسول الله - A - ولو ساعة من نهار ولكن أصحابه على طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام .
وقال أحمد بن حنبل : أصحاب رسول الله - A - كل من صحبه شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه .
وقال محمد بن إسماعيل البخاري : من صحب رسول الله A أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه .
وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب : لا خلاف بين أهل اللغة في أن الصحابي مشتق من الصحبة وأنه ليس مشتقا على قدر مخصوص منها ؛ بل هو جار على كل من صحب قليلا كان أو كثيرا وكذلك جميع الأسماء المشتقة من الأفعال ولذلك يقال : صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة فيوقع اسم الصحبة لقليل ما يقع عليه منها وكثيره قال : ومع هذا فقد تقرر للأمة عرف أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته ولا يجيزون ذلك إلا فيمن كثرت صحبته لا على من لقيه ساعة أو مشى معه خطا أو سمع منه حديثا ؛ فوجب لذلك أن لا يجري هذا الاسم إلا على من هذه حاله ومع هذا فإن خبر الثقة الأمين عنه مقبول ومعمول به وإن لم تطل صحبته ولا سمع منه إلا حديثا واحدا ولو رد قوله أنه صحابي لرد خبره عن الرسول .
وقال الإمام أبو حامد الغزالي : لا يطلق اسم الصحبة إلا على من صحبه ثم يكفي في الاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة ولكن العرف يخصصه بمن كثرت صحبته .
قلت : وأصحاب رسول الله - A - على ما شرطوه كثيرون ؛ فإن رسول الله شهد حنينا ومعه اثنا عشر ألفا سوى الأتباع والنساء وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنفذوا حريمهم وأولادهم وترك مكة مملوءة ناسا وكذلك المدينة أيضا وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين ؛ فهؤلاء كلهم صحبة وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان وكذلك حجة الوداع وكلهم له صحبة ولم يذكروا إلا هذا القدر مع أن كثيرا منهم ليست له صحبة وقد ذكر الشخص الواحد في عدة تراجم ولكنهم معذورون فإن من لم يرو ولا يأتي ذكره في رواية كيف السبيل إلى معرفته ! .
وهذا حين فراغنا من الفصول المقدمة على الكتاب ثم نخوض غمرته فنقول : نبدأ بذكر سيدنا رسول الله - A - تبركا باسمه وتشريفا للكتاب بذكره المبارك ولأن معرفة المصحوب ينبغي أن تقدم على معرفة الصاحب وإن كان أظهر من أن يعرف .
لقد ظهرت فما تخفى على أحد ... إلا على أحد لا يعرف القمرا .
لكن الأكثر يعرفونه جملة فارغة عن معرفة شيء من أحواله ونحن نذكر جملا من تفاصيل أموره على سبيل الاختصار فنقول وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل : .
محمد رسول الله .
A .
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو القاسم سيد ولد آدم A .
فأما ما بعد عدنان من آبائه إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل - صلى الله عليهما وسلم - ففيه اختلاف كثير في العدد والأسماء لا ينضبط ولا يحصل منه غرض فتركناه لذلك ومضر وربيعة هم صريح ولد إسماعيل باتفاق جميع أهل النسب وما سوى ذلك فقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا وأم رسول الله A آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشية الزهرية تجتمع هي وعبد الله في كلاب .
خرج عبد المطلب بابنه عبد الله إلى وهب بن عبد مناف فزوجه ابنته آمنة وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف فأتاه عبد المطلب فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه وخطب على ابنه عبد الله ابنة أخيه آمنة بنت وهب فتزوجا في مجلس واحد فولدت هالة لعبد المطلب حمزة