أخبرنا عمر بن محمد بن المعمر البغدادي وغيره قالوا : أخبرنا أبو القاسم بن الحصين أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم حدثني بشر بن أنس أبو الخير أخبرنا أبو هشام محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن زيد بن ثابت بن يسار الكعبي الربعي الخزاعي قال : حدثني عمي أيوب بن الحكم " ح " قال أبو بكر : وحدثنا أحمد بن يوسف بن تميم البصري أخبرنا أبو هشام محمد بن سلمان بقديد حدثني عمي أيوب بن الحكم عن حزام بن هشام القديدي عن أبيه هشام بن حبيش عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله A : أن النبي A خرج من مكة مهاجرا هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما عبد الله بن أريقط فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت برزة جلدة تحتبي وتجلس بفناء القبة ثم تسقي وتطعم فسألوا لحما وتمرا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله A إلى شاة في كسر الخيمة فقال : " ما هذه الشاة يا أم معبد " قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم قال : " هل بها من لبن " قالت : هي أجهد من ذلك . قال : " أتأذنين أن أحلبها " قالت : بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها حلبا فدعا بها رسول الله A فمسح ضرعها وسمى الله D ودعا لها في شاتها فتفاجت ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت ثم سقى أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب فيه ثانية بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها فبايعها وارتلحوا عنها .
فقلما لبثت أن جاء زوجها يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا مخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال : من أين لك هذا يا أم معبد والشاة عازب ولا حلوب في بيتنا قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال : صفيه يا أم معبد قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره رطف وفي صوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثافة أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا بائن من طول ولا تزدريه عن من قصر غصن بين غصنين وهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله إن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند .
قال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن جدت سبيلا . فأصبح صوت بمكة عال يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول : " الطويل " .
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد .
هما نزلاها بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد .
فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجاري وسؤدد .
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد .
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد .
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريحا ضرة الشاة مزبد .
فغادرها رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر ثم مورد .
فلما سمع بذلك حسان بن ثابت شبب يجاوب الهاتف فقال : " الطويل " .
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسري إليهم ويغتدي .
ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد .
هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد .
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمى وهداة يهتدون بمهتد .
وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حليت عليهم بأسعد .
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مسجد .
وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد