أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم إلى أبي عيسى : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عميرة - وكان من أصحاب النبي A - أنه قال لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا وأهد به - قال : وأخبرنا أبو عيسى : حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله - وهو ابن المبارك - أخبرنا يونس عن الزهري أخبرنا حميد بن عبد الرحمن : أنه سمع معاوية خطب بالمدينة فقال : أين علماؤكم يا أهل المدينة ! .
سمعت رسول الله A ينهى عن هذه القصة ويقول : إنما هلكت بنو إسرائيل حين أتخذها نساؤهم .
وقال ابن عباس : معاوية فقيه .
وقال ابن عمر : ما رأيت أحدا بعد رسول الله A أسود من معاوية . فقيل له : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فقال : كانوا - والله - خيرا من معاوية وأفضل ومعاوية أسود .
ولما دخل عمر بن الخطاب Bه الشام ورأى معاوية قال : هذا كسرى العرب .
أخبرنا يحيى بن محمود وغيره بإسنادهما عن مسلم قال : أخبرنا محمد بن مثنى ومحمد بن بشار - واللفظ لابن مثنى - حدثنا أمية بن خالد حدثنا شعبة عن أبي حمزة القصاب عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله A فتواريت خلف باب قال : فجاء فحطأني حطأة وقال : أذهب فأدع لي معاوية . قال : فجئت فقلت : هو يأكل . ثم قال : أذهب فأدع لي معاوية . قال : فجئت فقلت : هو يأكل . فقال : لا أشبع الله بطنه .
أخرج مسلم هذا الحديث بعينه لمعاوية وأتبعه بقول رسول الله A : إني اشترطت على ربي فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها يوم القيامة .
ولم يزل واليا على ما كان أخوه يتولاه بالشام خلافة عمر فلما استخلف عثمان جمع له الشام جميعه . ولم يزل كذلك إلى أن قتل عثمان فانفرد بالشام ولم يبايع عليا وأظهر الطلب بدم عثمان فكان وقعة صفين بينه وبين علي وهي مشهورة . وقد استقصينا ذلك في كتابنا الكامل في التاريخ .
ثم لما قتل علي واستخلف الحسن بن علي سار معاوية إلى العراق وسار إليه الحسن بن علي فلما رأى الحسن الفتنة وأن الأمر عظيم تراق فيه الدماء ورأى اختلاف أهل العراق سلم الأمر إلى معاوية وعاد إلى المدينة وتسلم معاوية العراق وأتى الكوفة فبايعه الناس واجتمعوا عليه فسمي عام الجماعة . فبقي خليفة عشرين سنة وأميرا عشرين سنة لأنه ولي دمشق أربع سنين من خلافة عمر واثنتي عشرة سنة خلافة عثمان مع ما أضاف إليه من باقي الشام وأربع سنين تقريبا أيام خلافة علي وستة أشهر خلافة الحسن . وسلم إليه الحسن الخلافة سنة إحدى وأربعين وقيل : سنة أربعين والأول أصح . وتوفي معاوية النصف من رجب سنة ستين وهو ابن ثمان وسبعين سنة وقيل : ابن ست وثمانين سنة . وقيل : توفي يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة تسع وخمسين ؛ وهو ابن اثنتين وثمانين سنة . والأصح في وفاته أنها سنة ستين .
ولما مرض كان ابنه يزيد غائبا ولما حضره الموت أوصى أن يكفن في قميص كان رسول الله A قد كساه إياه وأن يجعل مما يليل جسده . وكان عنده قلامة أظفار رسول الله A فأوصى أن تسحق وتجعل في عينيه وفمه وقال : افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين .
ولما نزل به الموت قال : ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوى وأني لم أل من هذا الأمر شيئا .
ولما مات أخذ الضحاك بن قيس أكفانه وصعد المنبر وخطب الناس وقال : إن أمير المؤمنين معاوية كان حد العرب وعود العرب قطع الله به الفتنة وملكه على العباد وسير جنوده في البر والبحر وكان عبدا من عبيد الله دعاه فأجابه وقد قضى نحبه وهذه أكفانه فنحن مدرجوه ومدخلوه قبره ومخلوه وعمله فيما بينه وبين ربه إن شاء رحمه وإن شاء عذبه .
وصلى عليه الضحاك وكان يزيد غائبا بحوارين فلما ثقل معاوية أرسل إليه الضحاك فقدم وقد مات معاوية فقال : البسيط .
جاء البريد بقرطاس يحث به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا