فاقسم لو لاقيته غير موثق ... لآبك بالجزع الضباع النواهل .
وإنك لو واجهته ولقيته ... فنازلته أو كنت ممن ينازل .
لكنت جميلا أسوأ الناس صرعة ... ولكن أقران الظهور مقاتل .
فليس كعهد الدار يا أم مالك ... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل .
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى الحق شيئا فاستراح العواذل .
قوله : أحاطت بالرقاب السلاسل يقول جاء الإسلام فمنع من طلب الآثار إلا بحقها وقد قيل : إن هذا الشعر في أخيه عروة بن مرة يرثيه به .
وقال محمد بن يزيد : مما يستحسن لأبي خراش الهذلي وهو أحد حكماء العرب قوله يذكر أخاه عروة : .
تقول أراه بعد عروة لاهيا ... وذلك رزء ما علمت جليل .
فلا تحسبي أني تناسيت عهده ... ولكن صبري يا أميم جميل .
زاد أبو الحسن الأخفش في هذه الأبيات بعد البيتين المذكورين : .
ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء : مالك وعقيل .
أبى الصبر أني لا يزال يهيجني ... مبيت لنا فيما مضى ومقيل .
وأتى إذا ما الصبح آنست ضوءه ... يعاودني قطع علي ثقيل .
قال أبو الحسن : مالك وعقيل اللذان ذكرهما نديما جذيمة الأبرش ولهما قصة وخبر فيه طول وهما اللذان يعنيهما متمم بن نويرة في مرثية يرثي فيه أخاه مالكا حيث يقول : .
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا .
ولأبي خراش الهذلي في المراثي أشعار حسان فمن شعر له فيها : .
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض .
على أنها تدمي الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي .
فوالله لا أنسى قتيلا رزئته ... بجانب قوسي ما مشيت على الأرض .
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... على أنه قد سل عن ماجد محض .
قال أبو عمر : لم يبق عربي بعد حنين والطائف إلا أسلم منهم من قدم على النبي A ومنهم من لم يقدم عليه وقنع بما أتاه به وافد قومه من الدين عن النبي A .
أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا يحيى بن مالك قال : قال خالد بن صفوان : ما قالت العرب بيتا أجود من قول أبي خراش : .
على أنها تدمي الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي .
وقال حدثنا الحسن بن محمد بن محمد بن مقلة البغدادي بمصر قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال : حدثنا عبد الرحمن حدثنا ابن أخي الأصمعي عن عمه قال : أسلم أبو خراش وحسن إسلامه ثم أتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجاجا والماء منهم غير بعيد فقال يا بني عمي : ما أمسى عندنا ماء ولكن هذه برمة وشاة فردوا الماء وكلوا شاتكم ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء حتى نأخذها فقالوا لا والله ما نحن سائرين في ليلتنا هذه وما نحن ببارحين حيث أمسينا . فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربة وسعى نحو الماء تحت الليل استقى ثم أقبل صادرا فنهشته حية قبل أن يصل إليهم فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء . وقال : اطبخوا شاتكم وكلوا ولم يعلمهم ما أصابه فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا وأصبح أبو خراش وهو في الموتى فلم يبرحوا حتى دفنوه وقال وهو يموت في شعر له : .
لقد أهلكت حية بطن واد ... على الإخوان ساقا ذات فضل .
فما تركت عدوا بين بصرى ... إلى صنعاء يطلبه بذحل .
فبلغ خبره عمر بن الخطاب فغضب غضبا شديدا وقال لولا أن تكون سنة لأمرت ألا يضاف يمان أبدا ولكتبت بذلك إلى الآفاق ثم كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا على أبي خراش الهذلي فيلزمهم ديته ويؤذيهم بعد ذلك بعقوبة يمسهم بها جزاء لفعلهم .
أبو خزامة