118 - وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم .
- 119 - يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين .
قال الإمام أحمد عن عبيد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك فقال كعب بن مالك : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزاة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير معاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر . وكان خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلّم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز واستقبل عدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم فأخبرهم وجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - . قال كعب : فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى عليه ما لم ينزل فيه وحي من الله D وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلّم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظلال وأنا إليها أصعر فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنون معه فطفقت أغدو لكي أنجز معهم فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا فأقول لنفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا وقلت : أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه فغدوت بعد ما فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فألحقهم وليت أني فعلت ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذره الله D ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك : " ما فعل كعب بن مالك " ؟ فقال رجل من بني سلمة : حبسه يا رسول الله برداه والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل : بئسما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عنه إلا خيرا . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
قال كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله A قد توجه قافلا من تبوك حضرني بثي وطفقت أتذكر الكذب وأقول : بماذا أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل : إن رسول الله A قد أظل قادما راح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا فأجمعت صدقه . فأصبح رسول الله A وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فيقبل منهم رسول الله A علانيتهم ويستغفر لهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال لي : " تعال " فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي : " ما خلفك ألم تكن قد اشتريت ظهرا ؟ " فقلت : يا رسول الله إني لو جلست عند غيرك .
من الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر لقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك بحديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك بصدق تجد علي فيه إني لأرجو عقبى ذلك من الله D والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال فقال رسول الله A : " أما هذا فصدق فقم حتى يقضي الله فيك " فقمت وقام إلي رجال من بني سلمة واتبعوني فقالوا : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله A بما اعتذر به المتخلفون فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله A قال : والله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي قال : ثم قلت لهم : هل لقي معي هذا أحد ؟ قالوا : نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت وقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت : فمن هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة قال : فمضيت حين ذكروهما لي قال : ونهى رسول الله A عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي كنت أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة . ثم ذكر تتمة الحديث ( أخرجه الشيخان وأحمد وله تتمة طويلة في توبة الله D عليه يرجع إليها في الصحيحين ) .
قال وأنزل الله تعالى : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم ... وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ... يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } . ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب من هجر المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة بأيامها وضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت أي مع سعتها فسدت عليهم المسالك والمذاهب فلا يهتدون ما يصنعون فصبروا لأمر الله واستكانوا لأمر الله وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله A في تخلفهم وإنه كان عن غير عذر فعوقبوا على ذلك هذه المدة ثم تاب الله عليهم فكان عاقبة صدقهم خيرا لهم وتوبة عليهم ولهذا قال " { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } أي اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم ومخرجا عن عبد الله بن مسعود Bه أنه قال : الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل اقرأوا إن شئتم : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } وقال الحسن البصري : إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهذ في الدنيا والكف عن أهل الملة