5 - فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم .
اختلف المفسرون في المراد بالأشهر الحرم ههنا ما هي ؟ فذهب ابن جرير إلى أنها المذكروة في قوله تعالى : { منها أربعة حرم ذلك الدين القيم } الآية ولكن قال ابن جرير : آخر الأشهر الحرم في حقهم المحرم وفيه نظر والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس ( وهو قول مجاهد وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو الأرجح ) في رواية العوفي عنه أن المراد بها أشهر التسيير الأربعة المنصوص عليها بقوله : { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } ثم قال : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } أي إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة . وقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } أي من الأرض وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } وقوله : { وخذوهم } أي وأسروهم إن شئتم قتلا وإن شئتم أسرا وقوله : { واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد } أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ولهذا قال : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } ولهذا اعتمد الصديق Bه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة حيث حرمت قتالهم بشرط الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته ونبه بأعلاها على أدناها فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله D وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج وهي اشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة وقد جاء في الصحيحين : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " الحديث وقال عبد الله ابن مسعود : أمرتم بلإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له وقال ابن أسلم : أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة وقال : يرحم الله ما كان أفقهه .
وروى الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم " . قال أنس : توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ثم قال في آية أخرى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } . وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك : إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة . وقال ابن عباس في هذه الآية : أمره الله تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ونقض ما كان سمي لهم من العهد والمواثيق وأذهب الشرط الأول . ثم اختلف المفسرون في آية السيف هذه فقال الضحاك والسدي : هي منسوخة بقوله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } وقال قتادة بالعكس