70 - يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم . - 71 - وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم .
قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس Bهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم بدر : " إني قد رعفت أن أناسا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدا منهم - أي من بني هاشم - فلا يقتله ومن لقي البختري بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرها " فقال أبو حذيفة بن عتبة : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس ؟ ولله لئن لقيته لألجمنه بالسيف فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال لعمر بن الخطاب : " يا أبا حفص - قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا حفص - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالسيف ؟ " فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فوالله لقد نافقن فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك : والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت ولا أزال خائفا منها إلا أن يكفرها الله تعالى عني بشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا Bه قال محمد بن إسحاق : وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب وذلك أنه كان رجلا موسرا فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا . وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك : أن رجالا من الأنصار قالوا : يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه . قال : " لا والله لا تذرون منه درهما " وبعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في فداء أسراهم ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا وقال العباس : يا رسول الله قد كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك وأما ظاهرك فقد كان علينا فافتد نفسك وابني أخيك نوفل وعقيل وحليفك عتبة بن عمرو " قال : ما ذاك عندي يا رسول الله قال : " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ؟ فقلت لها إن أصبت في سفري هذا .
فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم " قال : والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " لا ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك " ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه فأنزل الله D فيه : { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم } . قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله D . وقال أبو جعفر بن جرير : قال العباس في نزلت : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلّم بإسلامي وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذت مني فأبى فأبدلني الله بها عشرين عبدا كلهم تاجر مالي في يده .
وقال ابن عباس قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم : آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله لننصحن لك على قومنا فأنزل الله : { إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم } يخلف لكم خيرا مما أخذ منكم { ويغفر لكم } الشرك الذي كنتم عليه قال فكان العباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وإن لي الدنيا لقد قال : { يؤتكم خيرا مما أخذ منكم } فقد أعطاني خيرا مما أخذ مني مائة ضعف وقال : { ويغفر لكم } وأرجو أن يكون قد غفر لي . وقال قتادة : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا وقد توضأ لصلاة الظهر فما أعطى يومئذ شاكيا ولا حرم سائلا وما صلى يومئذ حتى فرقه فأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي فكان العباس يقول : هذا خير مما أخذ منا وأرجو المغفرة . قال الحافظ أبو بكر البيهقي عن أنس بن مالك قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمال من البحرين فقال : " لنثروه في مسجدي " قال : وكان أكثر مال أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخرج إلى الصلاة ولم يلتف إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فما كان يرى أحدا إلا أعطاه إذ جاءه العباس فقال : يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " خذ " فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال : مر بعضهم يرفعه إلي قال : " لا " قال : فارفعه أنت علي قال : " لا " فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتبعه بصره حتى خفي عنه عجبا من حرصه فما قام رسول الله A وثم منها درهم ( ورواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقا ) . وقوله : { وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل } أي وإن يريدوا خيانتك فيما أظهروا لك من الأقوال { فقد خانوا الله من قبل } أي من قبل بدر بالكفر به { فأمكن منهم } أي بالأسارى يوم بدر { والله عليم حكيم } أي عليم بفعله حكيم فيه قال قتادة : نزلت في ( عبد الله بن أبي سرح ) الكاتب حين ارتد ولحق بالمشركين وقال عطاء الخراساني : نزلت في عباس وأصحابه حين قالوا : لننصحن لك على قومنا وقال السدي بالعموم وهو أشمل وأظهر والله أعلم