11 - إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام .
- 12 - إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان .
- 13 - ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب .
- 14 - ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار .
يذكرهم الله تعالى بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أمانا أمنهم به من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد كما قال تعالى : { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } الآية . قال أبو طلحة : كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد ولقد سقط السيف من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط وآخذه ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحجف ( الحجف : جمع حجفة وهي الترس ) وقال الحافظ أبو يعلى عن علي Bه قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح وقال عبد الله بن مسعود : النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة من الشيطان . وقال قتادة : النعاس في الرأس والنوم في القلب وكأن ذلك كان للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله وهذا من فضل الله ورحمته بهم ونعمته عليهم ولهذا جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق Bه وهما يدعوان أخذت رسول الله سنة من النوم ثم استيقظ متبسما فقال : " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع " ثم خرج من باب العريش وهو يتلو قوله تعالى : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } .
وقوله تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماء } قال ابن عباس : إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عنها نزلوا على الماء يوم بدر فغلبوا المؤمنين عليه فأصاب المؤمنين عليه فأصاب المؤمنين الظمأ يصلون مجنبين محدثين حتى تعاطوا ذلك في صدورهم فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي فشرب المؤمنون وملأوا الأسقية وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة فجعل الله في ذلك طهورا وثبت به الأقدام ( وروي نحوه عن قتادة والضحاك ) وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة فبعث الله المطر عليها والمعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما سار إلى بدر نزل على أدنى ماء هناك أي أول ماء وجده فتقدم إليه الحباب بن المنذر فقال : يا رسول الله هذا المنزل الذي نزلته منزل أنزلك الله إياه فليس لنا أن نجاوزه أو منزل نزلته للحرب والمكيدة ؟ فقال : " بل منزل نزلته للحرب والمكيدة " فقال : يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغور ما وراءه من القلب ونستقي الحياض فيكون لنا ماء وليس لهم ماء فسار رسول الله صلى الله عليه وسلّم ففعل ذلك .
وقال مجاهد : أنزل الله عليهم المطر قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار وتلبدت به الأرض وطابت نفوسهم وثبت به أقدامهم وقوله : { ليطهركم به } أي من حدث أصغر أو أكبر وهو تطهير الظاهر .
{ ويذهب عنكم رجز الشيطان } أي من وسوسة أو خاطر سيء وهو تطهير الباطن كما قال تعالى في حق أهل الجنة { عاليهم ثياب سندس خضر } فهذا زينة الظاهر { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } أي مطهرا لما كان من غل أو حسد أو تباغض وهو زينة الباطن وطهارته { وليربط على قلوبكم } : أي بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء وهو شجاعة الباطن { ويثبت به الأقدام } وهو شجاعة الظاهر والله أعلم .
وقوله تعالى : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا } وهذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم ليشكروه عليها وهو أنه تعالى وتقدس أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه أن يثبتوا الذين آمنوا قال ابن جرير : أي ثبتوا المؤمنين وقووا أنفسهم على أعدائهم سألقي الرعب والذلة والصغار على من خالف أمري وكذب رسولي { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } أي اضربوا الهام فافلقوها واحتزوا الرقاب فقطعوها وقطعوا الأطراف منهم وهي أيديهم وأرجلهم وقد اختلف المفسرون في معنى { فوق الأعناق } فقيل : معناه اضربوا الرؤوس قاله عكرمة . وقيل معناه أي على الأعناق وهي الرقاب قاله الضحاك . ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } وقال القاسم قال النبي صلى الله عليه وسلّم : " إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله إنما بعثت لضرب الرقاب وشد الوثاق " وقال الربيع بن أنس : كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به وقوله : { واضربوا منهم كل بنان } وقال ابن جرير : معناه واضربوا من عدوكم أيها المؤمنون كل طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم والبنان جمع بنانة كما قال الشاعر : .
ألا ليتني قطعت مني بنانة ... ولاقيته في البيت يقظان حاذرا .
وقال ابن عباس { واضربوا منهم كل بنان } يعني بالبنان الأطراف ( وكذا قال الضحاك وابن جرير والسدي ) وقال السدي : البنان الأطراف ويقال كل مفصل وقال الأوزاعي : اضرب منه الوجه والعين وارمه بشهاب من نار فإذا أخذته حرم ذلك كله عليك وقال العوفي عن ابن عباس فأوحى الله إلى الملائكة : { أني معكم فثبتوا الذين آمنوا } الآية فقتل أبو جهل لعنه الله في تسعة وستين رجلا وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبرا فرفى ذلك سبعين يعني قتيلا لهذا قال تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } أي خالفوهما فساروا في شق وتركوا الشرع والإيمان به واتباعه في شق ومأخوذ أيضا من شق العصا وهو جعلها فرقتين { ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب } أي هو الطالب الغالب لمن خالفه ونأوأه لا يفوته شيء ولا يقوم لغضبه شيء تبارك وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه { ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب بالنار } هذا خطاب للكفار أي ذوقوا هذا العذاب والنكال في الدنيا واعلموا أيضا أن للكافرين عذاب النار في الآخرة