70 - قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين .
- 71 - قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين .
- 72 - فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين .
يخبر تعالى عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود عليه السلام { قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده } الآية كقول الكفار من قريش : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } . وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره : أنهم كانوا يعبدون أصناما فصنم يقال له : صمد وآخر يقال له : صمود وآخر يقال له : الهباء ولهذا قال هود عليه السلام : { قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب } أي قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس معناه سخط وغضب { أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم } أي أتحاجوني في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهي لا تضر ولا تنفع ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلا ولهذا قال : { ما نزل الله بها من سلطان ... فانتظروا إني معكم من المنتظرين } وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه ولهذا عقبه بقوله : { فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين } وقد ذكر الله سبحانه صفة إهلاكم في أماكن أخر من القرآن بأنه أرسل عليهم الريح العقيم { ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } كما قال في الآية الأخرى : { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية } لما تمردوا وعتوا أهلكهم الله بريح عاتية فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتثلغ رأسه حتى تبينه من جثته ولهذا قال : { كأنهم أعجاز نخل خاوية } . وقال محمد بن إسحاق : كانوا يسكنون باليمن بين عمان وحضرموت وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله فبعث الله إليهم هودا عليه السلام وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلها غيره وأن يكفوا عن ظلم الناس فأبوا عليه وكذبوه وقالوا : من أشد منا قوة ؟ واتبعه منهم ناس - وهم يسير - يكتمون إيمانهم فلما عتت عاد على الله وكذبوا نبيه وأكثروا في الأرض الفساد وتجبروا وبنوا بكل ريع آية عبثا بغير نفع كلمهم هود فقال : { أتبنون بكل ريع آية تعبثون ... وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ... وإذا بطشتم بطشتم جبارين } الآيات .
فلما أبوا إلا الكفر به أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان وطلبوا من الله الفرج فيه إنما يطلبونه بحرمته ومكان بيته وكان معروفا عند أهل ذلك الزمان وبه العماليق مقيمون فبعث عاد وفدا قريبا من سبعين رجلا إلى الحرم ليستقوا لهم عند الحرم فنهضوا إلى الحرم ودعوا لقومهم فدعا داعيهم فأنشأ الله سحابات ثلاثا بيضاء وسوداء وحمراء ثم ناده مناد من السماء : اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب فقال : اخترت هذه السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء فناداه مناد : " اخترت رمادا رمددا لا تبقي من عادا أحدا لا والدا ولا ولدا إلا جعلته همدا " . وساق الله السحابة السوداء بما فيها من النقمة إلى عاد حتى تخرج عليهم من واد يقال لها المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا يقول : { بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ... تدمر كل شيء } أي تهلك كل شيء مرت به فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما كما قال الله تعالى .
والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك وقد قال الله تعالى : { ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ } وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده قريب مما أورده محمد بن إسحاق عن الحارث البكري قال : إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أجيء إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير فأفاديه اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه فمرت به سحابات سود فنودي : منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي : منها خذها رمادا رمددا لا تبقي من عاد أحدا قال : فما بلغني أنه بعث الله عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا . قال أبو وائل وصدق قال : وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا : لا تكن كوافد عاد ( رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأخرجه ابن جرير )