121 - ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون .
استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها وإن كان الذابح مسلما وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : فمنهم من قال لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة وسواء ترك التسمية عمدا أو سهوا ( وهو مروي عن ابن عمر ونافع والشعبي ومحمد بن سيرين ) وهو رواية عن الإمام مالك وأحمد بن حنبل وهو اختيار أبي ثور وداود الظاهري واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية وبقوله في آية الصيد : { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } ثم أكد في هذه الآية بقوله : { وإنه لفسق } والضمير قيل : عائد على الأكل وقيل : عائد على الذبح لغير الله وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد كحديثي عدي بن حاتم : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك " وهو في الصحيحين وحديث رافع بن خديج : " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه " وهو في الصحيحين أيضا وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال للجن : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه " ( رواه مسلم ) وعن عائشة Bها أن ناسا قالوا : يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ قال : " سموا عليه أنتم وكلوا " قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر ( رواه البخاري ) . ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها وخشوا أن لا تكون وجدت من أولئك لحداثة إسلامهم فأمرهم بالاحتياط عند التسمية عند الأكل لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم تكن وجدت وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد والله أعلم .
والمذهب الثاني في المسألة : أنه لا يشترط في التسمية بل هي مستحبة فإن تركت عمدا أو نسيانا لا يضر وهذا مذهب الإمام الشافعي C وجميع أصحابه ورواية عن الإمام أحمد نقلها عنه حنبل وهو رواية عن الإمام مالك وحمل الشافعي الآية الكريمة : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } على ما ذبح لغير الله كقوله تعالى : { أو فسقا أهل لغير الله به } وقال عطاء { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش للأوثان وينهى عن ذبائح المجوس وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي قوي وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال : هي الميتة . وقد استدل لهذا المذهب بما رواه أبو داود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أم لم يذكر إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله " وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال : " إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله " واحتج البيهقي أيضا بحديث عائشة Bها المتقدم أن ناسا قالوا : يا رسول الله إن قوما حديثي عهد بجاهلية يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : " سموا أنتم وكلوا " قال : فلو كان وجود التسمية شرطا لم يرخص لهم إلا مع تحققها والله أعلم .
المذهب الثالث في المسألة : إن ترك البسملة على الذبيحة نسيانا لم يضر وإن تركها عمدا لم تحل هذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك وأحمد وبه يقول أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه ( وهو مروي عن علي وابن عباس وطاووس والحسن البصري وغيرهم ) وقال ابن جرير C : من حرم ذبيحة الناسي فقد خرج من قول جميع الحجة وخالف الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ذلك يعني ما رواه الحافظ البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " المسلم يكفيه اسمه إن نسي أن يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله " ( قال ابن كثير : هذا الحديث رفعه خطأ أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزري والأصح أنه من قول ابن عباس ) ثم نقل ابن جرير وغيره عن الشعبي ومحمد بن سيرين : أنهما كرها متروك التسمية نسيانا والسلف يطلقون الكراهة على التحريم كثيرا والله أعلم إلا أن من قاعدة ابن جرير أنه لا يعتبر قول الواحد ولا الإثنين مخالفا لقول الجمهور فيعده إجماعا فليعلم هذا والله الموفق . واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلّم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله : أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " اسم الله على كل مسلم " ( الحديث إسناده ضعيف كما نبه عليه ابن كثير C ) .
وقوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } قال ابن أبي حاتم عن أبي زميل قال : كنت قاعدا عند ابن عباس وحج ( المختار بن أبي عبيد ) فجاءه رجل فقال : يا ابن عباس زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة فقال ابن عباس : صدق فنفرت وقلت : يقول ابن عباس صدق ؟ فقال ابن عباس : هما وحيان وحي الله ووحي الشيطان فوحي الله إلى محمد صلى الله عليه وسلّم ووحي الشيطان إلى أوليائه ثم قرأ : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } ( أخرجه ابن أبي حاتم ) . وقد تقدم عن عكرمة في قوله : { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } نحو هذا . وقوله : { ليجادلوكم } عن سعيد بن جبير قال : خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلّم فقالوا : نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } وعن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمدا وقولوا له : فما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال وما ذبح الله D بشمشير من ذهب يعني الميته فهو حرام ؟ فنزلت هذه الآية : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } ( رواه الطبراني من حديث الحكم بن أبان ) أي وإن الشياطين من فارس ليوحون إلى أوليائهم من قريش وقال أبو داود عن ابن عباس في قوله : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } يقولون : ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم فكلوه فأنزل الله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ( رواه أبو داود وابن ماجه قال ابن كثير : وهذا إسناد صحيح ) وقال السدي في تفسير هذه الآية : إن المشركين قالوا للمسلمين : كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله فما قتل الله فلا تأكلونه وما ذبحتم أنتم تأكلونه ؟ فقال الله تعالى : وإن أطعتموهم - في أكل الميتة { إنكم لمشركون } وهكذا قال مجاهد والضحاك وغير واحد من علماء السلف . وقوله تعالى : { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك كقوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } الآية وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عدي بن حاتم أنه قال : يا رسول الله ما عبدوهم فقال : " بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم "