104 - قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ .
- 105 - وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون .
البصائر : هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلّم { فمن أبصر فلنفسه } كقوله : { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها } ولهذا قال : { ومن عمي فعليها } لما ذكر البصائر قال : { ومن عمي فعليها } أي إنما يعود وباله عليه كقوله : { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } { وما أنا عليكم بحفيظ } أي بحافظ ولا رقيب بل إنما أنا مبلغ والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وقوله : { وكذلك نصرف الآيات } أي فصلنا الآيات في هذه السورة من بيان التوحيد وأنه لا إله إلا هو هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن لجهالة الجاهلين وليقول المشركون والكافرون المكذبون دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب وقارأتهم وتعلمت منهم ( وهو قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم ) . روي عن عمرو بن كيسان قال سمعت ابن عباس يقول : دارست : تلوت خاصمت جادلت وهذا كقوله تعالى إخبارا عن كذبهم وعنادهم : { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها } الآية وقال تعالى إخبارا عن زعيمهم وكاذبهم { إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر } وقوله : { ولنبينه لقوم يعلمون } ولنوضحنه لقوم يعلمون الحق فيتبعونه والباطل فيجتنبونه فلله تعالى الحكمة البالغة في إضلال أولئك وبيان الحق لهؤلاء كقوله تعالى : { يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا } الآية وكقوله : { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم } .
وقال تعالى : { كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو } وقال : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } وقال تعالى : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى أنزل القرآن هدى للمتقين وأنه يضل به من يشاء ويهدي به من يشاء ولهذا قال ها هنا : { وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون } وقرأ بعضهم { درست } أي قرأت وتعلمت ( وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد والسدي والضحاك ) قال الحسن { وليقولوا درست } يقول : تقادمت وانمحت وقال عبد الرزاق إن صبيانا يقرأون { دارست } وإنما هي درست . وقال شعبة هي في قراءة ابن مسعود : درست يعني بغير ألف بنصب السين ووقف على التاء قال ابن جرير ومعناه : انمحت وتقادمت أي أن هذا الذي تتلوه علينا قد مر بنا قديما وتطاولت مدته