90 - يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
- 91 - إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون .
- 92 - وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين .
- 93 - ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين .
يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب Bه أنه قال : الشطرنج من الميسر رواه ابن أبي حاتم قال مجاهد وعطاء : كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز . وروي عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب مثله وقالا : حتى الكعاب والجوز والبيض التي تلعب بها الصبيان . وقال ابن عمر وابن عباس : الميسر هو القمار كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة . وقال مالك : كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين . وقال الزهري : الميسر الضرب بالقداح على الأموال والثمار . وقال القاسم بن محمد : كل ما أهلى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر وكأن المراد بهذا هو النرد ورد الحديث به في صحيح مسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه " ( رواه مسلم عن بريدة بن الخصيب الأسلمي ) وفي موطأ مالك عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من لعب النرد فقد عصى الله ورسوله " ( ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ) وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر : إنه شر من النرد وتقدم عن علي أنه قال : هو من الميسر ونص على تحريمه مالك وأبو حنيفة وأحمد وكرهه الشافعي رحمهم الله تعالى وأما الأنصاب فقال ابن عباس ومجاهد : هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها وأما الأزلام فقالوا ايضا : هي قداح كانوا يستقسمون بها وقوله تعالى : { رجس من عمل الشيطان } قال ابن عباس : أي سخط من عمل الشيطان وقال سعيد بن جبير : إثم وقال زيد بن اسلم : أي شر من عمل الشيطان { فاجتنبوه } الضمير عائد على الرجس أي اتركوه { لعلكم تفلحون } وهذا ترغيب ثم قال تعالى : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } وهذا تهديد وترهيب .
( ذكر الأحاديث الواردة في بيان تحريم الخمر ) .
قال الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : حرمت الخمر ثلاث مرات : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنهما فأنزل الله : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } إلى آخر الآية فقال الناس ما حرما علينا إنما قال : { فيهما إثم كبير ومنافع للناس } وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوما من الأيام صلى رجل من المهاجرين أم أصحابه في المغرب فخلط في قراءته فأنزل الله آية أغلظ منها : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مغبق ثم أنزلت آية أغلظ منها : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } قالوا : انتهينا ربنا وقال الناس : يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على سرفهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } إلى آخر الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم " وقال الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية في البقرة : { يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآة التي في سورة النساء : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قال : حي على الصلاة نادى : لا يقربن الصلاة سكران . فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ قول الله تعالى : { فهل أنتم منتهون } قال عمر : انتهينا انتهينا . وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير . والخمر ما خامر العقل وقال البخاري عن ابن عمر قال : نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربه ما فيها شراب العنب .
( حديث آخر ) : عن عبد الرحمن بن وعلة قال : سألت ابن عباس عن بيع الخمر ؟ فقال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم صديق من ثقيف أو من دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يا فلان أما علمت أن الله حرمها " فأقبل الرجل على غلامه فقال : اذهب فبعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يا فلان بماذا أمرته " ؟ فقال : أمرته أن يبيعها قال : " إن الذي حرم شربها حرم بيعها " فأمر بها فأفرغت في البطحاء ( رواه أحمد وأخرجه مسلم والنسائي ) .
( حديث آخر ) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي عن تميم الداري : أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كل عام راوية من خمر ( في هذا أن تميما أسلم سنة تسع من الهجرة وقد حرمت الخمر سنة ثمان كما استظهره الحافظ في الفتح ) فلما أنزل الله تحريم الخمر جاء بها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضحك وقال : " إنها قد حرمت بعدك " قال : يا رسول الله فأبيعها وأنتفع بثمنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " لعن الله اليهود حرمت عليهم شحوم البقر والغنم فأذابوه وباعوه والله حرم الخمر وثمنها " .
( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن نافع بن كيسان : أن أبيه أخبره أنه كان يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق يريد بها التجارة فأتى بها رسول الله A فقال : يا رسول الله إني جئتك بشراب طيب فقال رسول الله A : " يا كيسان إنها قد حرمت بعدك " قال : فأبيعها يا رسول الله ؟ فقال رسول الله A : " إنها قد حرمت وحرم ثمنها " فانطلق كيسان إلى الزقاق فأخذ بأرجلها ثم أهراقها .
( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن أنس قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهيل ابن بيضاء ونفرا من أصحابه عند أبي طلحة حتى كاد الشراب يأخذ منهم فأتى آت من المسلمين فقال : أما شعرتم أن الخمر قد حرمت ؟ فقالوا : حتى ننظر ونسأل فقالوا : يا أنس اسكب ما بقي في إنائك فوالله ما عادوا فيها وما هي إلا التمر والبسر وهي خمرهم يومئذ ( رواه أحمد والشيخان عن أنس بن مالك ) وفي رواية عن أنس قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلى الفضيخ البسر والتمر فإذا مناد ينادي قال : اخرج فانظر فإذا مناد ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت فجريت في سكك المدينة قال : فقال لي أبو طلحة : اخرج فأهرقها فهرقتها فقالوا : أو قال بعضهم قتل فلان وفلان وهي في بطونهم قال : فأنزل الله : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية وعنه قال : بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح وابي دجانة ومعاذ لبن جبل وسهيل بن بيضاء حتى مالت رؤوسهم من خليط بسرة تمر فسمعت ناديا ينادي : ألا إن الخمر حرمت قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب وكسرنا القلال وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا وأصبنا من طيب أم سليم ثم خرجنا إلى المسجد فإذا رسول الله A يقرأ : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } إلى قوله : { فهل أنتم منتهون } فقال رجل : يا رسول الله فما ترى فيمن مات وهو يشربها ؟ فأنزل الله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية فقال رجل لقتادة : أنت سمعته من أنس بن مالك ؟ قال : نعم وقال رجل لأنس بن مالك أنت سمعته من رسول الله A ؟ قال : نعم . ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب ( أخرجه ابن جرير من حديث عباد بن راشد عن قتادة عن أنس بن مالك ) .
( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله A قال : " إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام " ( الكوبة : النرد أو الشطرنج الغبيراء : شراب مسكر يصنع من الذرة ) وعن أبي طعمة سمعت ابن عمر يقول : خرج رسول الله A إلى المربد فخرجت معه فكنت عن يمنيه وأقبل أبو بكر فتأخرت عنه فكان عن يمينه وكنت عن يساره ثم أقبل عمر فتنحيت له فكان عن يساره فأتى رسول الله A المربد فإذا بزقاق على المربد فيها خمر قال ابن عمر : فدعاني رسول الله A بالمدية قال ابن عمر : وما عرفت المدية إلا يومئذ فأمر بالزقاق فسقت ثم قال : " لعنت الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها ومعتصرها وآكل ثمنها " ( رواه الإمام أحمد ) .
( حديث آخر ) عن مصعب بن سعد عن سعد قال : أنزل في الخمر أربع آيات فذكر الحديث قال : وضع رجل من الأنصار طعاما فدعانها فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى انتشينا فتفاخرنا فقالت الأنصار : نحن أفضل وقالت قريش : نحن أفضل فأخذ رجل من الأنصار لحي جزور فضرب به أنف سعد ففزره وكانت أنف سعد مفزورة فنزلت : { إنما الخمر والميسر } إلى قوله تعالى : { فهل أنتم منتهون } ( رواه البيهقي وأخرجه مسلم ) ( حديث آخر ) : عن ابن عباس قال : إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته فيقول : صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن فيقول : والله لو كان بي رؤوفا رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله تعالى هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } إلى قوله تعالى : { فهل أنتم منتهون } فقال أناس من المتكلفين : هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل يوم أحد فأنزل الله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } ( رواه البيهقي والنسائي ) إلى آخر الآية .
( حديث آخر ) : قال ابن جرير عن أبي بريدة عن أبيه قال : بينما نحن قعود على شارب لنا ونحن على رملة ونحن ثلاثة أو أربعة وعندنا باطية لنا ونحن نشرب الخمر حلا إذ قمت حتى آتي رسول الله A فأسلم عليه إذ نزل تحريم الخمر : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى آخر الآيتين { فهل أنتم منتهون } فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله { فهل أنتم منتهون } قالك وبعض القوم شربته في يده قد شرب بعضها وبقي بعض في الإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ثم صبوا ما في باطيتهم فقالوا : انتهينا ربنا .
( حديث آخر ) قال البخاري عن جابر قال : صبح ( صبح بالتشديد ولفظه في كتاب المغازي اصطبح الخمر يوم احد ناس ثم قتلوا شهداء والتصبيح الشرب في الصباح ) أناس غداة أحد فقتلوا من يومهم جميعا شهداء وذلك قبل تحريمها .
( حديث آخر ) : قال أبو داود الطيالسي عن البراء بن عازب قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم ؟ فنزلت { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية .
( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن أنس بن مالك : أن أبا طلحة سأل رسول الله A عن أيتام في حجره ورثوا خمرا فقال : " أهرقها " قال : أفلا نجعلها خلا ؟ قال : " لا " .
( حديث آخر ) : عن ابن عمر أن رسول الله A قال : " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة " ( أخرجه البخاري ومسلم من حديث مالك ) . وعن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله A : " كل مسكر حرام ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة " ( رواه الإمام مسلم ) .
( حديث آخر ) : عن أبي سعيد عن النبي A قال : " لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر " ( رواه النسائي وأحمد ) وقال الزهري عن عثمان بن عفان قال : " اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فدخل معها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت : إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر . فسقته كأسا فقال : زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس . فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه " وله شاهد في الصحيحين عن رسول الله A أنه قال : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " . قال الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد أنها سمعت النبي A يقول : " من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة إن مات مات كافرا وإن تاب تاب الله عليه وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " قالت قلت : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : " صديد أهل النار "