57 - يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين .
- 58 - وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون .
هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام الذين يتخذون شرائع الإسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي يتخذونها هزوا ويستهزئون بها ولعبا يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد وفكرهم البارد وقوله تعالى : { من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار } " من " ههنا لبيان الجنس كقوله : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } والمراد بالكفار ههنا { المشركون } { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } أي اتقوا الله أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء إن كنتم مؤمنين بشرع الله الذي اتخذه هؤلاء هزوا ولعبا كما قال تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } وقوله : { وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا } أي وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب { اتخذوها } أيضا { هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } معاني عبادة الله وشرائعه وهذه صفات أتباع الشيطان الذي إذا سمع الأذان أدبر فإذا قضى التأذين أقبل فإذا ثوب للصلاة أدبر فإذى قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وقلبه فيقول : اذكر كذا اذكر كذا ما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل السلام . كما هو في الصحيحين وقال الزهري : قد ذكر الله التأذين في كتابه فقال : { وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } .
وقال السدي في قوله : { وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا } قال : كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي : أشهد أن محمدا رسول الله قال : حرق الكذاب فدخلت خادمه ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت فاحترق هو وأهله . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم . وذكر محمد بن إسحاق في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه وقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته فقال أبو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى فخرج عليه النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : " قد علمت الذي قلتم " ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك . وقال الإمام أحمد عن عبد الله بن محيريز وكان يتيما في حجر أبي محذورة قال : قلت لأبي محذورة يا عم إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال له : نعم خرجت في نفر وكنا في بعض طريق حنين مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون فصرخنا نحكيه ونستهزىء به فسمع رسول الله فارسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ايكم الذي سمعت صوته قد ارتفع " ؟ فأشار القوم كلهم إلي وصدقوا فأرسل كلهم وحبسني وقال : " قم فأذن " فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم التأذين هو بنفسه قال : " قل : الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله " ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه ثم بين ثدييه ثم على كبده حتى بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " بارك الله فيك وبارك عليك " فقلت : يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال : " قد أمرتك به " وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم من كراهة وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله A فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله A وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك ابا محذروة على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز . هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة