بسم الله الرحمن الرحيم .
[ مختصر لتفسير الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 ه .
اختصار محمد علي الصابوني استاذ التفسير بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية - مكة المكرمة - جامعة الملك عبد العزيز ] .
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل كتابه الكريم بالحجة الدامغة والبرهان الناصع موعظة وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المنزل عليه : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى وشموس العلم والعرفان والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فقد قيض الله - جل ثناؤه - لكتابه العزيز علماء أتقياء ومخلصين أوفياء من أعلام الهدى وأئمة الصلاح والدين سهروا على خدمة القرآن العظيم وبذلوا قصارى جهدهم لتوضيح معانيه وبيان أسراره وكشف دقائقه واستخراج ما فيه من حكم وأسرار وما احتوى عليه من روائع وعجائب فكان منهم من سلك طريق الأيجاز ومنه من سلك طريق الإسهاب والإطناب ومنهم من اقتصر على التفسير بالمأثور ومنهم من جمع بين ( الرواية والدراية ) إلى غير ما هنالك من طرائق المفسرين وأساليبهم في القديم والحديث .
ولقد كان الإمام العلامة الحافظ الثبت الثقة أبو الفداء ( إسماعيل بن كثير ( تنظر ترجمة المؤلف في كتاب ( المنهل الصافي ) للمؤرخ الشهير جمال الدين المعروف بابن تغري وكتاب ( الدرر الكامنة ) للحافظ ابن حجر العسقلاني و ( ذيل التذكرة ) للحافظ أبي المحاسن الحسيني و ( شذرات الذهب في أخبار من ذهب ) لعبد الحي بن العماد الحنبيل و ( كشف الظنون ) لحاجي خليفة و ( الرد الوافر ) لابن ناصر الدين الدمشقي . ) المتوفى سنة / 774 / هجرية في مقدمة هؤلاء الأئمة الأعلام من جهابذة المفسرين وقد وضع تفسيرا للكتاب الكريم سماه ( تفسير القرآن العظيم ) وتفسيره هذا من خير كتب التفسير بالمأثور ومن أوثقها وهو تفسير جامع بين ( الرواية ) و ( الدراية ) . . يفسر القرآن بالقرآن ثم بالأحاديث المشهورة في دواوين السنة المطهرة بأسانيدها ويتكلم على الأسانيد جرحا وتعديلا فيبين ما فيها من صحيح وضعيف وغريب أو شاذ ثم يذكر آثار الصحابة والتابيعن قال السيوطي فيه : " لم يؤلف على نمطه مثله " وقد وضح ابن كثير C في مقدمة تفسيره هذا المنهج الذي سلكه في تفسيره فقال : " فإن قال قائل : فما أحسن طرق التفسير ؟ فالجواب : أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن . فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له " بل قد قال الإمام الشافعي C تعالى : كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهو مما فهمه من القرآن .
قال الله تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } الآية وقال تعالى : { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } وقال تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } .
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه " يعني السنة والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة فإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم والأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين المهديين وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم Bهم أجمعين " ( مقدمة تفسير ابن كثير صفحة / 12 / ) .
وإنا لنجد في عصرنا الحاضر ميل الناس إلى التزود من الثقافة الدينية ولا سيما تفسير الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة وكثيرا ما يسأل الإنسان : أي التفاسير أسهل منالا وأجدى فائدة للقارى في الزمن القليل ؟ فيقف المرء واجما حائرا لا يجد جوابا عن سؤال السائل علما بأن كتب التفسير - ولله الحمد - كثيرة وفيها فوائد جمة ودرر متناثرة وأسرار دينية عظيمة ولكنها قد حشيت بالكثير من مصطلحات الفنون : من بلاغة ونحو وصرف وفقه وأصول وغير ذلك مما كان عقبة كأداء أمام العامة من القراء لذلك دعت الحاجة الماسة إلى تذليل هذه الصعاب تيسير فهم العظيم على عامة الناس بسلوك منهج السهولة والسلاسة وقد أشار علينا بعض الأخوة الفضلاء ومنهم الأخ الكريم المدير العام لدار القرآن الكريم باختصار تفسير العلامة ( ابن كثير ) نظرا لفائدته الجمة وما امتاز به عن بقية التفاسير من تفسير القرآن بالقرآن ثم بالسنة المطهرة ثم بأقوال الصحابة والتابعين مع وضوح العبارة وسهولتها وجمعه بين التفسير بالمأثور والتفسير بالمعقول وقد سبقت معنا كلمة الإمام السيوطي C : " لم يؤلف على نمطه مثله " وهي كلم جديرة بالتدبر والاعتبار .
ولما كان تفسير العلامة بان كثير C - على ما فيه من مزايا كريمة - لا ينتفع منه إلا الخاصة من العلماء وذلك بسبب ما فيه من تطويل وتفصيل لأمور لا حاجة لذكرها وبخاصة عند ذكر الآثار المروية والأسانيد للأحاديث الشريفة مع أن معظمها في كتب الصحاح وكذلك الكلام على هذه الأسانيد بالجرج والتعديل وما فيه من خلافات فقهية لا ضرورة لذكرها مما تجعل الفائدة منه قاصرة على فئة مخصوصة من طلبة العلم الشرعي .
لذلك فقد عزمنا النية على اختصاره وتنقيته من الشوائب واستجابة للرغبة الملحة من إخوتنا الأفاضل وبتكليف من " دار القرآن الكريم " ليعم به النفع وتتحقق منه الفائدة المرجوة علما بأن اختصاره لا يعني أننا أغفلنا شطره وحذفنا كثيرا منه بل إن ما فعلناه لا يعدوا أن يكون حذفا لما لا ضرورة له من الروايات المكررة والأسانيد المطولة والآثار الضعيفة والأحكام التي لا حاجة لها وبقي روح التفسير كما هو بثوبه القشيب وجماله الناصع وأسلوبه السهل الميسر مع تمام الترابط والانسجام .
طريقة الأختصار : .
وقد سلكت في منهج الاختصار لهذا التفسير الطريقة التالية أذكرها بإيجاز وهي : .
أولا : حذف الأسانيد المطولة والاقتصار على ذكر راوي الحديث من الصحابة والإشارة في هامش الصفحة إلى من خرج الحديث مثل البخاري ومسلم وغيرهما .
ثانيا : الآيات الكريمة التي استشهد بها المؤلف C على طريقته في تفسير القرآن بالقرآن أثبتناها مع الاقتصار على مكان الشاهد منها لأنه هو الغرض الأصلي من ذكرها ولم نذكرها كاملة إذ يكفي الإشارة إليها لفهم المقصود .
ثالثا : الاقتصار على الأحاديث الصحيحة وحذف الضعيف منها وحذف ما لم يثبت سنده من الروايات المأثورة مما نبه عليه الشيخ ابن كثير C .
رابعا : ذكر أشهر الصحابة عند التفسير بالمأثور كذكر ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مع تثبيت أصح الروايات المنقولة عنهم .
خامسا : الاعتماد على أقوال مشاهير التابعين المنقولة آراؤهم نقلا صحيحا وعدم ذكر جميع أقوال التابعين لأن في بعضها ضعفا - كما في سائر الروايات - وفيها الغث والسمين لذلك فقد اعتمدنا على أصحها وأجمعها وأرجحها ضربنا صفحا عن ذكر سائرها للأسباب التي ذكرناها .
سادسا : حذف الروايات الإسرائيلية سواء كان غرض المؤلف الرد عليها أو الاستشهاد بها على سبيل الاستئناس لا على سبيل القطع واليقين إذ في الآثار الصحيحة ما يغني عن الاستشهاد بالروايات الإسرائيلية .
سابعا : حذف ما لا ضرورة له من الأحكام والخلافات الفقهية والاقتصار على الضروري منها دون حشو أو تطويل .
ولا يفوتني - وأنا أكتب هذه المقدمة الموجزة على تفسير العلامة ابن كثير - أن أتقدم بالثناء العاطر والشكر الجزيل لدار القرآن الكريم على جهودها المشكورة في نشر وطبع هذا التفسير القيم والإشراف على تصحيحه وترتيبه وتبويبه وإخراجه بهذا الشكل الجميل الذي أرجو أن ينال إعجاب السادة القراء .
والله أسأل أن ينفع به المسلمين وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ويبقيه ذخرا لي يوم الدين { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
بسم الله الرحمن الرحيم