59 - يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا .
قال البخاري عن ابن عباس : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } قال نزلت : في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سرية وقال الإمام أحمد عن علي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم في شيء قال فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى قال : فاجمعوا لي حطبا - ثم دعا بنار فأضرمها فيه ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها قال فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها قال : فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخبروه فقال لهم : " لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف " . وعن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " ( رواه أبو داود ) وعن عبادة ابن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال : " إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان " ( رواه البخاري ومسلم ) وفي الحديث الآخر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " رواه البخاري وعن أبي هريرة Bه قال : " أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدوع الأطراف " . رواه مسلم وروى ابن جرير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " سيليكم ولاة بعدي فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم " .
وعن أبي هريرة Bه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا يا رسول الله : فما تأمرنا ؟ قال : " أوفوا ببيعة الأول فالاول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم " أخرجاه وعن ابن عباس Bهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية } أخرجاه وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " رواه مسلم وروى مسلم أيضا عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال : دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس حوله مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سفر فنزلنا منزلا فما من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره ( أصل الجشر : الدواب ترعى في مكان وتبيت فيه اه ) إذا نادى منادي رسول الله A الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله A فقال : إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور ينكرونها وتجيء فتن يرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر قال فدنوت منه فقلت : أنشدك بالله آنت ؟ ؟ سمعت هذا من رسول الله A ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيده وقال : سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ويقتل بعضا بعضا والله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } قال فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله والأحاديث في هذا كثيرة .
وقال ابن عباس { وأولي الأمر منكم } يعني أهل الفقه والدين وكذا قال مجاهد وعطاء { وأولي الأمر منكم } يعني العلماء والظاهر - والله أعلم - أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدم وقال تعالى : { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت } وقال تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وفي الحديث الصحيح المتفق على صحته عن أبي هريرة عن رسول الله A أنه قال : " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصا أمير فقد عصاني " فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ولهذا قال تعالى : { أطيعوا الله } أي اتبعوا كتابه { وأطيعوا الرسول } أي خذوا بسنته { وأولي الأمر منكم } أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله كما تقدم في الحديث الصحيح : " إنما الطاعة في المعروف " .
وقال الإمام أحمد عن عمران بن حصين عن النبي A قال : " لا طاعة في معصية الله " وقوله : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } قال مجاهد : أي إلى كتاب الله وسنة رسوله وهذا أمر من الله D بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ ولهذا قال تعالى : { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر وقوله : { ذلك خير } أي التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والرجوع إليهما في فصل النزاع خير { وأحسن تأويلا } أي وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وقال مجاهد : وأحسن جزاء وهو قريب