( تابع . . . 1 ) : 43 - يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما .
وقوله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } التيمم بدل عن الوضوء في التطهير به لا أنه بدل منه في جميع أعضائه بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع ولكن اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال : أحدها - وهو مذهب الشافعي في الجديد - أنه يجب أن يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين لأن لفظ اليدين يصدق إطلاقها على ما يبلغ المنكبين وعلى ما يبلغ المرفقين كما في آية الوضوء ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفين كما في آية السرقة : { فاقطعوا أيديهما } قالو : وحمل ما أطلق ههنا على ما قيد في آية الوضوء أولى لجامع الطهورية وذكر بعضهم ما رواه الدار قطني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " ( أخرجه الإمام أحمد والدارقطني عن ابن عمر ) والقول الثاني : أنه يجب مسح الوجه واليدين إلى الكفين بضربتين وهو قول الشافعي في القديم والثالث أنه يكفي مسح الوجه والكفين بضربة واحدة لما روي أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء فقال عمر : لا تصل . قال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلّم ذكرت ذلك له فقال : " إنما كان يكفيك وضرب النبي صلى الله عليه وسلّم بيده الأرض ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه " ( رواه النسائي وأحمد ) ؟ ( طريق أخرى ) : قال أحمد عن سليمان الأعمش حدثنا شقيق قال : كنت قاعدا مع ( عبد الله ) و ( أبي موسى ) فقال أبو يعلى لعبد الله : لو أن رجلا لم يجد الماء لم يصل ؟ فقال عبد الله أت تذكر ما قال عمرا لعمر ؟ ألا تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإياك في إبل فأصابتني جنابة فتمرغت في التراب فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخبرته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال : " إنما كان يكفيك أن تقول هكذا وضرب بكفيه إلى الأرض ثم مسح كفيه جميعا ومسح واحدة بضربة واحدة " ؟ فقال عبد الله : لا جرم ما رأيت عمر قنع بذلك قال فقال له أبو موسى : فيكف بهذه الآية في سورة النساء : { فلم تجدوا ماء فيتمموا صعيدا طيبا } ؟ قال : فما درى عبد الله ما يقول . وقال : لو رخصنا لهم في التيمم لأوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمم . وقال في المائدة : { فامسحو بوجوهكم وأيديكم منه } فقد استدل بذلك الشافعي على أنه لا بد في التيمم أن يكون بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء .
وقوله تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } أي في الدين الذي شرعه لكم { ولكن يريد ليطهركم } فلهذا أباح التيمم . إذا لم تجدوا الماء أن تعدلوا إلى التيمم بالصعيد والتيمم نعمة عليكم لعلكم تشكرون ولهذا كانت هذه الأمة مخصوصة بمشروعية التيمم دون سائر الأمم كما ثبت في الصحيحن عن جابر بن عبد الله Bهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " وفي لفظ : " فعنده مسجده وطهوره وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان يبعث النبي إلى قومه وبعثت إلى الناس كافة " وقال تعالى في هذه الآية الكريمة : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا } أي ومن عفوه عنكم وغفرانه ولكم أن شرع لكم التيمم واباح لكم فعل الصلاة به إذا فقدتم الماء توسعة عليكم ورخصة لكم وذلك أن هذه الآية الكريمة فيها تنزيه الصلاة أن تفعل على هيئة ناقصة من سكر حتى يصحوا المكلف ويعقل ما يقول أو جنابة حتى يغتسل أو حدث حتى يتوضأ إلا أن يكون مريضا أو عادما للماء فإن الله D قد أرخص في التيمم - والحالة هذه - رحمة بعباده ورأفة بهم وتوسعة عليهم ولله الحمد والمنة .
( ذكر سبب نزول مشروعية التيمم ) .
وإنما ذكرنا ذلك ههنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة وبيانه أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير في محاصرة النبي صلى الله عليه وسلّم لبني النضير وأما المائدة فإنها من آخر مانزل ولا سيما صدرها فناسب أن يذكر السبب هنا وبالله الثقة . قال البخاري عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى ابي بكر فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلّم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : حبست رسول الله صلى الله عليه وسلّم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلّم على فخذي فقام رسول الله A على غير ماء حين اصبح فأنزل الله آية التيمم فتيموا فقال أسيد بن الحضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته . ( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن ابن عباس عن عمار بن ياسر : أن رسول الله A عرس بذات الجيش ومعه زوجته عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء فأنزل الله على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيب فقام المسلمون مع رسول الله A فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط .
( حديث آخر ) : قال الحافظ بن مردويه عن الأسلع بن شريك قال : كنت أرحل ناقة رسول الله A فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول الله A الرحلة فكرهت أن أرحل ناقة رسول الله A وأنا جنب وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ثم رضفت أحجارا فأسخنت بها ماء واغتسلت ثم لحقت رسول الله A وأصحابه فقال : " يا أسلع مالي أرى رحلتك قد تغيرت " قلت يا رسول الله : ألم أرحلها رحلها رجل من الأنصار قال : " ولم ؟ قالت : أني أصابتني جنابة فخشيت القر على نفسي فأمرته أن يرحلها ورضفت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به فأنزل الله تعالى : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } إلى قوله { إن الله كان عفوا غفورا } وقد روي من وجه آخر عنه