102 - يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
- 103 - واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون .
عن عبد الله بن مسعود : { اتقو الله حق تقاته } قال : أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر وروي مرفوعا عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " اتقو الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى " ( رواه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين قال ابن كثير : والأظهر أنه موقوف ) وروي عن أنس أنه قال : لا يتقي الله العبد حق تقاته حتى يخزن لسانه وقد ذهب سعيد بن جبير وابو العالية إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { فاتقو الله ما استطعتم } وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : { اتقو الله حق تقاته } قال : لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم . وقوله تعالى : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه فعياذا بالله من خلاف ذلك .
روى الإمام أحمد عن مجاهد : أن الناس كانوا يطوفون بالبيت وابن عباس جالس معه محجن ( عصا منعطفة الرأس ) فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ولو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم " ؟ ( رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ) .
وقال الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " . وفي الحديث الصحيح عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله D " وعن أنس قال : كان رجل من الأنصار مريضا فجاءه النبي صلى الله عليه وسلّم يعوده فوافقه في السوق فسلم عليه فقال له : " كيف أنت يا فلان " ؟ قال بخير يا رسول الله أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف " ( رواه الحافظ البزار والترمذي والنسائي ) .
وقوله تعالى : { واعتصوموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } قيل : { بحبل الله } أي بعهد الله كما قال في الآية بعدها : { ضربت عليه الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس } أي بعهد وذمة وقيل : { بحبل الله } يعني القرآن كما في حديث الحارث الأوعور عن علي مرفوعا في صفة القرآن : " هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم " .
وروى ابن مردويه عن عبد الله Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه " .
وقوله تعالى : { ولا تفرقوا } أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالإجتماع والإئتلاف كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا : يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " .
وقوله تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } إلى آخر الآية وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية وعداوة شديدة وضغائن وإحن طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم صاروا إخوانا متحابين بجلال الله متواصلين في ذات الله متعاونين على البر والتقوى . قال الله تعالى : { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قولبهم ولكن الله ألف بينهم } إلى آخر الآية . وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان . وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم قسم غنائم حنين فعتب من عتب منهم بما فضل عليهم في القسمة بما أراده الله فخطيهم فقال : " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي ؟ " فكلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن .
وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : أن هذه الآية نزلت في شأن ( الأوس والخزرج ) وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج فساءه ما هم عليه من الإتفاق والألفة فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض وتثاوروا ونادوا بشعارهم وطلبو أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلّم فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول : " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهرركم ؟ " وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا والقوا السلاح Bهم