26 - كلا إذا بلغت التراقي .
- 27 - وقيل من راق .
- 28 - وظن أنه الفراق .
- 29 - والتفت الساق بالساق .
- 30 - إلى ربك يومئذ المساق .
- 31 - فلا صدق ولا صلى .
- 32 - ولكن كذب وتولى .
- 33 - ثم ذهب إلى أهله يتمطى .
- 34 - أولى لك فأولى .
- 35 - ثم أولى لك فأولى .
- 36 - أيحسب الإنسان أن يترك سدى .
- 37 - ألم يك نطفة من مني يمنى .
- 38 - ثم كان علقة فخلق فسوى .
- 39 - فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى .
- 40 - أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى .
يخبرتعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من الأهوال ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت فقال تعالى : { كلا إذا بلغت التراقي } إن جعلنا ( كلا ) رادعة فمعناها : لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به بل صار ذلك عندك عيانا وإن جعلناها بمعنى ( حقا ) فظاهرأي حقا إذا بلغت التراقي أي انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك والتراقي جمع ( ترقوة ) وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله تعالى : { فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون } { وقيل من راق } ؟ قال ابن عباس : أي من راق يرقي ؟ وقال أبو قلابة ؟ أي من طبيب شاف ( وكذا قال قتادة والضحاك وابن زيد ) . وعن ابن عباس : { وقيل من راق } قيل : من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ( ذكره ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة وقال ابن عباس في قوله : { والتفت الساق بالساق } قال : التفت عليه الدنيا والآخرة وعنه { والتفت الساق بالساق } يقول : آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة فتلتقي الشدة بالشدة إلا من C وقال عكرمة : { والتفت الساق بالساق } الأمر العظيم بالأمر العظيم وقال مجاهد : بلاء ببلاء وقال الحسن البصري : هما ساقاك إذا التفتا وكذا قال السدي عن الحسن : هو لفهما في الكفن وقال الضحاك : { والتفت الساق بالساق } اجتمع عليه أمران : الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه .
وقوله تعالى : { إلى ربك يومئذ المساق } أي المرجع والمآب وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات فيقول الله D : ردوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى كما ورد في حديث البراء الطويل وقوله جل وعلا : { فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى } هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذبا للحق بقلبه متوليا عن العمل بقالبه فلا خير فيه باطنا ولا ظاهرا ولهذا قال تعالى : { فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ... ثم ذهب إلى أهله يتمطى } أي جذلان أشرا بطرا لا همة له ولا عمل كما قال تعالى : { وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين } وقال تعالى : { إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور } أي يرجع وقال ابن عباس : { ثم ذهب إلى أهله يتمطى } أي يختال وقال قتادة : يتبختر قال الله تعالى : { أولى لك فأولى ... ثم أولى لك فأولى } وهذا تهديد ووعيد من الله تعالى للكافر المتبختر في مشيه أي يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك وذلك على سبيل التكهم والتهديد كقوله تعالى : { ذق إنك أنت العزيز الكريم } وكقوله تعالى : { كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون } وكقوله جل جلاله : { اعملوا ما شئتم } إلى غير ذلك عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : { أولى لك فأولى ... ثم أولى لك فأولى } ؟ قال : قاله رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأبي جهل ثم أنزله الله D ( أخرجه النسائي ) . وقال قتادة في قوله : { أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى } وعيد على أثر وعيد كما تسمعون وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نبي الله صلى الله عليه وسلّم بمجامع ثيابه ثم قال : " أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى " فقال عدو الله أبو جهل : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا وإني لأعز من مشى بين جبليها ( أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة ) .
وقوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } ؟ قال السدي : يعني لا يبعث وقال مجاهد : يعني لا يؤمر ولا ينهى والظاهر أن الآية تعم الحالتين أي ليس يترك في هذه الدنيا مهملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يترك في قبره سدى لايبعث بل هو مأمور منهي في الدنيا محشور إلى الله في الدار الآخرة والمقصود هنا إثبات المعاد ولهذا قال تعالى مستدلا على الإعادة بالبداءة { ألم يك نطفة من مني يمنى } أي أما كان الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين { يمنى } أي يراق من الأصلاب في الأرحام { ثم كان علقة فخلق فسوى } أي فصار علقة ثم مضغة ثم شكل ونفخ فيه الروح فصار خلقا آخر سويا سليم الأعضاء ذكرا أو أنثى بإذن الله وتقديره : ولهذا قال تعالى : { فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } ثم قال تعالى : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } ؟ أي أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه ؟ كقوله تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } روى أبو داوود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من قرأ منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها { أليس الله بأحكم الحاكمين } فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ { لا أقسم بيوم القيامة } فانتهى إلى قوله { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } فليقل : بلى ومن قرأ : { والمرسلات } فبلغ { فبأي حديث بعده يؤمنون } ؟ فليقل : آمنا بالله " ( أخرجه أبو داود وأحمد ورواه الترمذي بنحوه ) . وعن قتادة قوله تعالى : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان إذا قرأها قال : " سبحانك وبلى " ( أخرجه ابن جرير ) . وكان ابن عباس إذا مر بهذه الآية : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } ؟ قال : سبحانك فبلى ( أخرجه ابن أبي حاتم )