1 - يا أيها المزمل .
- 2 - قم الليل إلا قليلا .
- 3 - نصفه أو انقص منه قليلا .
- 4 - أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا .
- 5 - إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا .
- 6 - إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا .
- 7 - إن لك في النهار سبحا طويلا .
- 8 - واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا .
- 9 - رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا .
يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلّم أن يترك التزمل وهو التغطي وينهض إلى القيام لربه D كما قال تعالى : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } فقال تعالى : { يا أيها المزمل ... قم الليل إلا قليلا } قال ابن عباس { يا أيها المزمل } يعني يا أيها النائم وقال قتادة : المزمل في ثيابه وقال إبراهيم النخعي : نزلت وهو متزمل بقطيفة وقوله تعالى : { نصفه } بدل من الليل { أو انقص منه قليلا ... أو زد عليه } أي أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل لا حرج عليك في ذلك وقوله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا } أي اقرأه على تمهل فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه قالت عائشة : كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها وفي صحيح البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : كانت مدا .
ثم قرأ : { بسم الله الرحمن الرحيم } يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم ( أخرجه البخاري ) وعن أم سلمة Bها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت : كان يقطع قراءته آية آية : { بسم الله الرحمن الرحيم ... الحمد لله رب العالمين ... الرحمن الرحيم ... مالك يوم الدين } ( أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي ) وفي الحديث : " يقال لقارئ القرآن : اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " ( أخرجه أحمد ورواه الترمذي والنسائي ) . وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة كما جاء في الحديث : " زينوا القرآن بأصواتكم " و " ليس منا من لم يتغنى بالقرآن " . وقال ابن مسعود : لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذ الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ( رواه البغوي عن ابن مسعود موقوفا ) وقوله تعالى : { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } قال الحسن وقتادة : أي العمل به وقيل : ثقيل وقت نزوله من عظمته كما قال زيد بن ثابت Bه : أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفخذه على فخذي فكادت ترض فخذي روى البخاري عن عائشة Bها أن الحارث .
ابن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : " أحيانا يأتي في مثل صلصلة الجرس وهو أشد علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول " قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلّم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا ( أخرجه البخاري في أول صحيحه ) . وروى الإمام أحمد عن عائشة Bها قالت : إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو على راحلته فتضرب بجرانها ( الجران : باطن العنق ) .
وقوله تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا } قال عمر : الليل كله ناشئة وقال مجاهد : نشأ إذا قام من الليل وفي رواية عنه : بعد العشاء والغرض أن { ناشئة الليل } هي ساعاته وأوقاته وكل ساعة منه تسمى ناشئة والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة ولهذا قال تعالى : { هي أشد وطأ وأقوم قيلا } أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش ولهذا قال تعالى : { إن لك في النهار سبحا طويلا } قال أبو العالية ومجاهد : فراغا طويلا وقال قتادة : فراغا وبغية ومتقلبا وقال السدي : { سبحا طويلا } تطوعا كثيرا وقال عبد الرحمن بن زيد { سبحا طويلا } قال : لحوائجك فأفرغ لدينك الليل وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ثم إن الله تبارك وتعالى من على عباده فخففها ووضعها . روى الإمام أحمد عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام قال قلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان كالقرآن فهممت أن أقوم ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلّم قلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قالت : ألست تقرأ هذه السورة : { يا أيها المزمل } ؟ قلت : بلى قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا من بعد فريضة ( أخرجه الإمام أحمد وهو جزء من حديث طويل وقد رواه مسلم في صحيحه بنحوه ) . وروي عن عائشة Bها قالت : كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم حصيرا يصلي عليه من الليل فتسامع الناس به فاجتمعوا فخرج كالمغضب وكان بهم رحيما فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل فقال : " أيها الناس أكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل وخير الأعمال ما ديم عليه " ونزل القرآن : { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا ... نصفه أو انقص منه قليلا ... أو زد عليه } حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق فمكثوا بذلك ثمانية أشهر فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل .
وقال ابن جرير : لما نزلت { يا أيها المزمل } قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت : { فاقرأوا ما تيسر منه } قال : فاسترح الناس . وقوله تعالى : { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا } أي أكثر من ذكره وانقطع إليه وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك كما قال تعالى : { فإذا فرغت فانصب } إي إذا فرغت من أشغالك فانصب في طاعته وعبادته لتكون فارغ البال { وتبتل إليه تبتيلا } أي أخلص له العبادة وقال الحسن : اجتهد وابتل إليه نفسك وقال ابن جرير : يقال للعابد متبتل ومنه الحديث المروي ( نهى عن التبتل ) يعني الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج وقوله تعالى : { رب المشرق والمغرب لا اله إلا هو فاتخذه وكيلا } أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل فاتخذه وكيلا كما قال تعالى : { فاعبده وتوكل عليه } وكقوله : { إياك نعبد وإياك نستعين }