14 - يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم .
- 15 - إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم .
- 16 - فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون .
- 17 - إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم .
- 18 - عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم .
يقول تعالى مخبرا عن الأزواج والأولاد أن منهم من هو عدو الزوج والولد بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح كقوله تعالى : { لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون } ولهذا قال تعالى ههنا { فاحذروهم } قال ابن زيد : يعني على دينكم وقال مجاهد { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } قال : يحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه وقال ابن أبي حاتم : عن ابن عباس وسأله رجل عن هذه الآية : { يا أيها الناس آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } قال : فهؤلاء رجال أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأوا الناس قد فقهوا في الدين فهموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى هذه الآية : { وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم } ( أخرجه ابن أبي حاتم ورواه الترمذي وقال : حسن صحيح ) . وقوله تعالى : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم } . يقول تعالى : إنما الأموال والأولاد { فتنة } أي اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه ليعلم من يطيعه ممن يعصيه وقوله تعالى : { والله عنده } أي يوم القيامة { أجر عظيم } كما قال تعالى : { ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب } . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يخطب فجاء الحسن والحسين Bهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال : " صدق الله ورسوله { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " ( رواه أحمد وأهل السنن عن أبي بريدة ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " الولد ثمرة القلوب وإنهم مجبنة مبخلة محزنة " ( أخرجه الحافظ البزار ) .
وقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } أي جهدكم وطاقتكم كما ثبت في الصحيحين : " إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " وهذه الآية ناسخة للتي في آل عمران وهي قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } عن سعيد بن جبير في قوله : { اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } قال : لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى هذه الآية تخفيفا على المسلمين { فاتقوا الله ما استطعتم } فنسخت الآية الأولى وقوله تعالى : { واسمعوا وأطيعوا } أي كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة وقوله تعالى : { وأنفقوا خيرا لأنفسكم } أي وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن الله إليكم يكن خيرا لكم في الدنيا والآخرة وقوله تعالى : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } تقدم تفسيره في سورة الحشر وقوله تعالى : { إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم } أي مهما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ومهما تصدقتم من شيء فعليه جزاؤه ونزل ذلك منزلة القرض له كما ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يقول : " من يقرض غير مظلوم ولا عديم " ( أخرجه في الصحيحين ) ولهذا قال تعالى : { يضاعفه لكم } كما قال تعالى : { فيضاعفه له أضعافا كثيرة } { ويغفر لكم } أي ويكفر عنكم السيئات { والله شكور } أي يجزي على القليل بالكثير { حليم } أي يصفح ويغفر ويستر ويتجاوز عن الذنوب والزلات { عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم } ( في اللباب : أخرج ابن جرير : { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم } نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد فكان إذا أراد الغزو بكوا إليه حتى يرق ويقيم ) تقدم تفسيره غير مرة