9 - يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .
- 10 - فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون .
إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه كل أسبوع مرة بالمعابد الكبار وفيه كمل جميع الخلائق وفيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيخ أخرج منها وفيه تقوم الساعة كما ثبت بذلك الأحاديث الصحاح وقد كان يقال له ( يوم العروبة ) وثبت أن .
الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم واختار النصارى يوم الأحد الذي ابتدئ فيه الخلق واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة كما أخرجه البخاري ومسلم . عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد " ( هذا لفظ البخاري ) ولمسلم : " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بها فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضى بينهم قبل الخلائق " ( أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم ) . وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } أي اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها وليس المراد بالسعي ههنا المشي السريع وإنما هو الاهتمام بها كقوله تعالى : { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن } فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نهي عنه لما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " . وعن أبي قتادة قال : بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلّم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال : " ما شأنكم ؟ " قالوا : استعجلنا إلى الصلاة قال : " فلا تفعلوا . إذا أتيتم الصلاة فامشكوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " ( أخرجاه في الصحيحين ) . وفي رواية : " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها تمشون وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " ( رواه الترمذي ) قال الحسن : أما والله ما هو بالسعي على الأقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع وقال قتادة في قوله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } يعني أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها وكان يتأول قوله تعالى : { فلما بلغ معه السعي } أي المشي معه .
ويستحب لمن جاء إلى الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه إليها لما ثبت في الصحيحين عن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " . ولهما عن أبي سعيد Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " . وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " حق الله على كل مسلم ان يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده " ( رواه مسلم ) . وعن أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها " ( قال ابن كثير : هذا الحديث له طرق وألفاظ وقد أخرجه أهل السنن الأربعة وحسنه الترمذي ) . وعن أبي هريرة Bه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " من اغتسل يوم الجمعة غسل جنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " ( أخرجه الشيخان ) ويستحب أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويتسوك ويتنظف ويتطهر . لما روى الإمام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى " ( أخرجه الإمام أحمد ) . وعن عائشة Bها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار فقال : " ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوب مهنته " ( رواه ابن ماجه ) . وقوله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } المراد بهذا النداء .
هو ( النداء الثاني ) الذي كان يفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا خرج فجلس على المنبر فإنه كان حينئذ يؤذن بين يديه فهذا هو المراد فأما النداء الأول الذي زاده أمير المؤمنين ( عثمان بن عفان ) Bه فإنما كان هذا لكثرة الناس كما رواه البخاري C عن السائب بن يزيد قال : " كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول .
الله صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس زاد النداء على الزوراء " ( رواه البخاري ) يعني يؤذن به على الدار التي تسمة بالزوراء وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد . وذلك النداء الذي يحرم عنده الشراء والبيع إذا نودي به فأمر عثمان Bه أن ينادي قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس وإنما يؤمر بحضور الجمعة الرجال الأحرار دون العبيد والنساء والصبيان ويعذر المسافر والمريض وما أشبه ذلك من الأعذار كما هو مقرر في كتب الفروع .
وقوله تعالى : { وذروا البيع } أي اسعوا إلى ذكر الله واتركوا البيع إذا نودي للصلاة ولهذا اتفق العلماء Bهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني وقوله تعالى : { ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } أي ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر الله وإلى الصلاة { خير لكم } أي في الدنيا والآخرة { إن كنتم تعلمون } وقوله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة } أي فرغ منها { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } لما حجر عليهم من التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله كما كان ( عراك بن مالك ) Bه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين ( رواه ابن أبي حاتم ) . وروي عن بعض السلف أنه قال : من باع واشترع في يوم الجمعة بعد الصلاة بارك الله له سبعين مرة لقول الله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } وقوله تعالى : { واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } أي في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم اذكروا الله ذكرا كثيرا ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة ولهذا جاء في الحديث : " من دخل سوقا من الأسواق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة " . وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا