1 - سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم .
- 2 - هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار .
- 3 - ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار .
- 4 - ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب .
- 5 - ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين .
يخبر تعالى أن جميع ما في السماوات والأرض يسبح له ويمجده ويقدسه ويوحده كقوله تعالى : { تسبح له السماوات السبع ومن فيهن إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم } وقوله تعالى : { وهو العزيز } أي منيع الجناب { الحكيم } في قدره وشرعه وقوله تعالى : { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } يعني يهود بني النضير كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدا وذمة على أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلّم وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ظنوا أنها مانعتهم من بأس الله فما أغنى عنهم من الله شيئا وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم وسيرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأجلاهم من المدينة فكان منهم طائفة ذهبوا إلى ( أذرعات ) من أعالي الشام وهي أرض المحشر والمنشر ومنهم طائفة ذهبوا إلى ( خيبر ) وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم فكانوا يخربون ما في بيوتهم من المنقولات التي يمكن أن تحمل معهم ولهذا قال تعالى : { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار } أي تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله وكذب كتابه كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم روى أبو داود عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم : أن كفار قريش كتبوا إلى ( ابن أبي ) ومن معه يعبد الأوثان والخزرج ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذ بالمدينة قبل رجعة بدر إنكم أدنيتم صاحبنا وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنكم أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونسبي نساءكم فلما بلغ ذلك ( عبد الله بن أبي ) ومن كان معه من عبدة الأوثان أجمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلّم فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلّم لقيهم فقال : " لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به أنفسكم يريدون أن يقاتلوا أبناءكم وإخوانكم " فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلّم تفرقوا فبلغ ذلك كفار قريش فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود إنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ولايحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء وهو الخلاخيل فلما بلغ كتابهم النبي صلى الله عليه وسلّم أيقنت بنو النضير بالغدر فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم : اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك ليخرج منا ثلاثون حبرا حتى نلتقي بمكان النصف وليسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالكتائب فحصرهم فقال لهم : " إنكم والله لا تؤمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه " فأبوا أن يعطوه عهدا فقاتلهم يومهم ذلك ثم غدا من الغد على بني قريظة بالكتائب وترك بني النضير ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه فانصرف عنهم وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء فجلت بنو النضير واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها وكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خاصة أعطاه الله إياها وخصه بها فقال تعالى : { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } نقول بغير قتال فأعطى النبي صلى الله عليه وسلّم أكثرها للمهاجرين قسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار وكانا ذوي حاجة ولم يقسم من الأنصار غيرهما وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي في أيدي بني فاطمة .
وقوله تعالى : { ما طننتم أن يخرجوا } أي في مدة حصاركم كهم وكانت ستة أيام مع شدة حصونهم ومنعتها ولهذا قال تعالى : { وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } أي جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال كما قال تعالى في الآية الأخرى { وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } وقوله تعالى : { وقذف في قلوبهم الرعب } أي الخوف والهلع والجزع وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نصر بالرعب مسيرة شهر صلوات الله وسلامه عليه وقوله : { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } هو نقض ما استحسنوه من .
سقوفهم وأبوابهم وحملها على الإبل وقال مقاتل بن حيان : كان رسول الله A يقاتلهم فإذا ظهر على درب أو دار هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال وكان اليهود أذا علوا مكانا أو غلبوا على درب أو دار نقبوا من أدبارها ثم حصنوها ودربوها يقول الله تعالى : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } وقوله : { ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا } أي لولا أن كتب .
عليهم هذا الجلاء وهو النفي من ديارهم وأموالهم لكان لهم عند الله عذاب آخر من القتل والسبي ونحو ذلك لأن الله قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع ما أعد لهم في الدار الآخرة من العذاب في نار جهنم عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير قال : " ثم كانت وقعة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكان منزلهم بناحية من المدينة فحاصرهم رسول الله A حتى نزلوا على الجلاء وأن لهم ما أقلت الإبل من الأموال والأمتعة إلا الحلقة وهي السلاح فأجلاهم رسول الله A قبل الشام قال : والجلاء أنه كتب عليهم في آي من التوراة وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء قبل ما سلط عليهم رسول الله A وأنزل الله فيهم : { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض - إلى قوله وليخزي الفاسقين } ( أخرجه ابن أبي حاتم ) قال قتادة : الجلاء خروج الناس من البلد إلى البلد وقال الضحاك : أجلاهم إلى الشام وأعطى كل ثلاثة بعيرا وسقاء فهذا الجلاء وقد روى الحافظ أبو بكر البيهقي عن ابن عباس قال : كان النبي A قد .
حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم وأوطانهم وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى . وعن محمد بن مسلمة أن رسول الله A بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام .
وقوله تعالى : { ولهم في الآخرة عذاب النار } أي حتم لازم لا بد منه وقوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } أي إنما فعل الله بهم ذلك وسلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين لأنهم خالفوا الله ورسوله وكذبوا بما أنزل الله على رسله المتقدمين في البشارة بمحمد A وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم ثم قال : { ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب } وقوله تعالى : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } اللين نوع من التمر وهو جيد قال أبو عبيدة : وهو ما خالف العجوة والبرني من التمر وقال كثيرون من المفسرين : اللينة ألوان التمر سوى العجوة قال ابن جرير : هو جميع النخل وذلك أن رسول الله A لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم إهانة لهم وإرعابا لقلوبهم فبعث بنو قريظة يقولون لرسول الله A إنك تنهى عن الفساد فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة أي ما قطعتم من لينة وما تركتم من الأشجار فالجميع بإذنه ومشيئته وقدره ورضاه وفيه نكاية بالعدو وخزي لهم وإرغام لأنوفهم . روى الإمام أحمد عن ابن عمر أن رسول الله A قطع نخل بني النضير وحرق ( أخرجه أحمد ورواه الشيخان بنحوه ) . ولفظ البخاري عن ابن عمر قال : حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من رجالهم وسبى وقسم نساءهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي A فأمنهم وأسلموا وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم رهط ( عبد الله بن سلام ) ويهود بني حارثة وكل يهود بالمدينة ( أخرجه البخاري ) وفي الصحيحين عن ابن عمر : أن رسول الله A حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فأنزل الله D : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } ( أخرجه الشيخان ) . ولها يقول حسان بن ثابت Bه : .
وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير .
قال أبو إسحاق : كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد وبعد بئر معونة وحكى البخاري عن الزهري عن عروة أنه قال : كانت وقعة بني النضير بعد بدر بستة أشهر