11 - يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير .
يقول تعالى مؤدبا عباده المؤمنين وآمرا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجلس : { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم } وذلك أن الجزاء من جنس العمل كما جاء في الحديث الصحيح : " من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة " قال قتادة نزلت هذه الآية في مجالس الذكر وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنوا بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض وقال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية يوم الجمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فرد النبي صلى الله عليه وسلّم عليهم ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فعرف النبي صلى الله عليه وسلّم ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال لمن حوله من .
المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر : " قم يا فلان وأنت يا فلان " فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار أهل بدر فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلّم الكراهة في وجوههم فقال المنافقون : ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس ؟ والله ما رأيناه قبل عدل على هؤلاء إن قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " رحم الله رجلا يفسح لأخيه " فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا فيفسح القوم لإخوانهم ونزلت هذه الآية يوم الجمعة ( رواه ابن أبي حاتم ) . وقد ورد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " لا يقم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا " ( أخرجه الشيخان وأحمد ) . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " لايقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن افسحوا يفسح الله لكم " ( أخرجه الإمام أحمد ) . وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال : فمنهم من رخص في ذلك محتجا بحديث : " قوموا إلى سيدكم ومنهم من منع من ذلك محتجا بحديث : " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " ومنهم من فصل فقال : يجوز عند القدوم من سفر وللحاكم في محل ولايته كما دل عليه قصة سعد بن معاذ فإنه لما استقدمه النبي صلى الله عليه وسلّم حاكما في بني قريظة فرآه مقبلا قال للمسلمين : " قوموا إلى سيدكم " وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه والله أعلم فأما اتخاذه ديدنا فإنه من شعار العجم وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان إذا جاء لا يقومون له لما يعلمون من كراهته لذلك .
وفي الحديث المروي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يجلس حيث انتهى به المجلس ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس فكان الصحابة Bهم يجلسون منه على مراتبهم فالصديق Bه يجلسه عن يمينه وعمر عن يساره وبين يديه غالبا عثمان وعلي لأنهما كانا ممن يكتب الوحي وكان يأمرهما بذلك كما روى مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقول : " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " ( أخرجه مسلم في صحيحه ) وما ذاك إلا ليعقلوا عنه ما يقوله صلوات الله وسلامه عليهم وفي الحديث الصحيح : بينا رسول الله جالس إذ أقبل ثلاثة نفر فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها وأما الآخر فجلس وراء الناس وأدبر الثالث ذاهبا فقال رسول الله A : " ألا أنبئكم بخبر الثلاثة ؟ أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه " . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله A قال : " لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما " ( أخرجه الإمام أحمد ) . وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري في قوله تعالى : { إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم } يعني في مجالس الحرب قالوا : ومعنى قوله : { وإذا قيل لكم انشزوا فانشزوا } أي انهضوا للقتال وقال قتادة : { وإذا قيل لكم انشزوا فانشزوا } أي إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا وقال مقاتل : إذا دعيتم إلى الصلاة فارتفعوا إليها وقوله تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير } أي لا تعتقدوا أنه إذا فسح أحد منكم لأخيه أن ذلك يكون نقصا في حقه بل هو رفعة ورتبة عند الله والله تعالى لا يضيع ذلك له بل يجزيه بها في الدنيا والآخرة فإن من تواضع لأمر الله رفع الله قدره ونشر ذكره ولهذا قال تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير } أي خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان وكان عمر استعمله على مكة فقال له عمر : من استخلفت على أهل الوادي ؟ قال : استخلفت عليهم ابن أبزى رجل من موالينا فقال عمر : استخلفت عليهم مولى ؟ فقال يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض قاض فقال عمر Bه : أما إن نبيكم A قد قال : " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين " ( أخرجه أحمد ورواه مسلم من غير وجه عن الزهري ) وقد ذكرت فضل العلم وأهله وما ورد في ذلك من الأحاديث مستقصاة في " شرح كتاب العلم " من صحيح البخاري ولله الحمد والمنة