31 - ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
- 32 - الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ .
أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى .
يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض وأنه الغني عما سواه الحاكم في خلقه بالعدل وخلق الخلق بالحق { ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } أي يجازى كلا بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش أي لا يتعاطون المحرمات الكبائر وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم كما قال في الآية الأخرى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } وقال ههنا : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } وهذا استثناء منقطع لأن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال . عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " ( أخرجه الإمام أحمد ورواه الشيخان أيضا ) . وقال عبد الرحمن ابن نافع : سألت أبا هريرة عن قول الله : { إلا اللمم } قال : القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهو الزنا وقال ابن عباس : { إلا اللمم } إلا ما سلف وكذا قال زيد بن اسلم وروى ابن جرير عن مجاهد أنه قال في هذه الآية : { إلا اللمم } قال : الذي يلم بالذنب ثم يدعه قال الشاعر : .
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك ما ألما ؟ .
وعن الحسن في قول الله تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } قال : اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ثم لا يعود وروى ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس : { إلا اللمم } يلم بها في الحين قلت : الزنا ؟ قال : الزنا ثم يتوب وعنه قال : اللمم الذي يلم المرة وقال السدي : قال أبو صالح : سئلت عن اللمم فقلت : هو الرجل يصيب الذنب ثم يتوب وأخبرت بذلك ابن عباس فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم .
وقوله تعالى : { إن ربك واسع المغفرة } أي رحمته وسعت كل شيء ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها كقوله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } . وقوله تعالى : { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض } أي هو بصير بكم عليم بأحوالكم وأفعالكم حين أنشأ أباكم آدم من الأرض واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذر ثم قسمهم فريقين : فريقا للجنة وفريقا للسعير وكذا قوله : { وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } قد كتب الملك الذي يوكل به رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد وقوله تعالى : { فلا تزكوا أنفسكم } أي تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم { هو أعلم بمن اتقى } كما قال تعالى : { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } الآية . روى مسلم في صحيحه عن محمد بن عمرو بن عطاء قال : سميت ابنتي برة فقالت لي زينب بنت أبي سلمة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن هذا الاسم وسميت برة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " لا تزكوا أنفسكم إن الله أعلم بأهل البر منكم " فقالوا : بم نسميها ؟ قال : " سموها زينب " ( أخرجه مسلم في صحيحه ) . وقد ثبت أيضا عن أبي بكرة قال : مدح رجل رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ويلك قطعت عنق صاحبك - مرارا - إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك " ( أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة ) . وروى الإمام أحمد عن همام بن الحارث قال : جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه قال : فجعل المقداد بن الأسود يحثو في وجهه التراب ويقول : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا لقينا المداحين أن نحثو في وجوههم التراب ( أخرجه مسلم وأبو داود والإمام أحمد )