14 - قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم .
- 15 - إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون .
- 16 - قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم .
- 17 - يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين .
- 18 - إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون .
يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } وقد استفيد أن الإيمان أخص من الإسلام ويدل عليه حديث جبريل E حين سأل عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان فترقى من الأعم إلى الأخص روى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص Bه قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا فقال سعد رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا ولم تعط فلانا شيئا وهو مؤمن فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " أو مسلم ؟ " حتى أعادها سعد Bه ثلاثا والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول : " أو مسلم ؟ " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلّم : " إني لأعطي رجالا وأدع من هو أحب إلي منهم فلم أعطه شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم " فقد فرق النبي صلى الله عليه وسلّم بين المؤمن والمسلم فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام ودل على أن ذاك الرجل كان مسلما ليس منافقا لأنه تركه من العطاء ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام فهؤلاء الإعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا بمنافقين وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك وإنما قلنا هذا لأن البخاري C ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد { ولكن قولوا أسلمنا } : أي استسلمنا خوف القتل والسبي قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة وقال قتادة : نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا وإنما قيل لهؤلاء تأديبا : { قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد ثم قال تعالى : { وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا } أي لا ينقصكم من أجوركم شيئا كقوله D : { وما ألتناهم من عملهم من شيء } وقوله تعالى : { إن الله غفور رحيم } أي لمن تاب إليه وأناب .
وقوله تعالى : { إنما المؤمنون } أي إنما المؤمنون الكمل { الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } أي لم يشكوا ولا تزلزلوا بل ثبتوا على حال واحدة وهي التصديق المحض { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } أي وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه { أولئك هم الصادقون } أي في قولهم إذا قالوا إنهم مؤمنون لا كبعض الأعراب الذين ليس لهم من الإيمان إلا الكلمة الظاهرة وقوله سبحانه وتعالى : { قل أتعلمون الله بدينكم } أي أتخبروه بما في ضمائركم ؟ { والله يعلم ما في السموات وما في الأرض } أي لايخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر { والله بكل شيء عليم } . ثم قال تعالى : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم } يعني الأعراب الذين يمنون بإسلامهم ومتابعتهم على الرسول صلى الله عليه وسلّم يقول الله تعالى ردا عليهم : { قل لا تمنوا علي لإسلامكم } فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه { بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } أي في دعواكم ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم للأنصار يوم حنين : " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي ؟ " كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن . وروى الحافظ البزار عن ابن عباس Bهما قال : جاءت بنو أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا : يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطلق على ألسنتهم " ونزلت هذه الآية : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات وبصره بأعمال المخلوقات فقال : { إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون }