بسم الله الرحمن الرحيم .
- 1 - يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم - 2 - يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون .
- 3 - إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم .
هذه آيات أدب الله تعالى بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلّم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام فقال تبارك وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه أي قبله بل كونوا تبعا له في جميع الأمور . قال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه ( وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن المراد من الآية الكريمة { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة والقول الآخر هو رواية العوفي عنه وهو الأقوى والأرجح ) وقال مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه وقال الضحاك : لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال الحسن البصري : لا تدعوا قبل الإمام وقال قتادة : ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا وكذا لو صح كذا فكره الله تعالى ذلك { واتقوا الله } فيما أمركم به { إن الله سميع } أي لأقوالكم { عليم } بنياتكم وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } هذا أدب ثان أدب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم فوق صوته وقد روي أنها نزلت في الشيخين ( أبي بكر ) و ( عمر ) Bهما روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال : كاد الخيران أن يهلكا ( أبو بكر ) و ( عمر ) Bهما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلّم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس Bه أخي بني مجاشع وأشار الآخر برجل آخر قال نافع : لا أحفظ اسمه فقال أبو بكر لعمر Bهما : ما أردت إلا خلافي قال : ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } قال ابن الزبير : " فما كان عمر Bه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية حتى يستفهمه " ( أخرجه البخاري في صحيحه ) . وفي رواية أخرى له قال : قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال أبو بكر Bه : أمر ( القعقاع بن معبد ) وقال عمر Bه : بل أمر ( الأقرع بن حابس ) فقال أبو بكر Bه : ما أردت إلا خلافي فقال عمر Bه : ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما : فنزلت في ذلك : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } حتى انقضت الآية { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم } الآية أخرجه البخاري .
وروى الحافظ البزار عن أبي بكر الصديق Bه قال : " لما نزلت هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } قلت : يا رسول الله والله لا أكلمك إلا كأخي السرار " . وروى البخاري عن أنس بن مالك Bه : أن النبي صلى الله عليه وسلّم افتقد ( ثابت بن قيس ) Bه فقال رجل : يا رسول الله أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده في بيته منكسا رأسه فقال له : ما شأنك ؟ فقال : شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله فهو من أهل النار فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره أنه قال : كذا وكذا قال موسى : فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال : " اذهب إليه فقل له : إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة " ( أخرجه البخاري في صحيحه ) .
وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك Bه قال : لما نزلت هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - إلى قوله - وأنتم لا تشعرون } وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنا من أهل النار حبط عملي وجلس في أهله حزينا ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلّم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له : تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلّم مالك ؟ قال : أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلّم وأجهر له بالقول حبط عملي أنا من أهل النار فأتوا النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبروه بما قال فقال النبي A : " لا بل هو من أهل الجنة " . قال أنس Bه : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت بن قيس بن شماس وقد تحنط ولبس كفنه فقال : بئسما تعودون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل Bه ( أخرجه الإمام أحمد ) . وفي رواية : فقال له النبي A : " أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة ؟ " فقال : رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله A ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله A قال : وأنزل الله تعالى : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } ( ذكر هذه الرواية ابن جرير C تعالى ) الآية .
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك فقد نهى الله D عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله A وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب Bه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي A قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال : أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال : من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف فقال : لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا . وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره A كما كان يكره في حياته E لأنه محترم حيا وفي قبره A دائما ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم ولهذا قال تبارك وتعالى : { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } كما قال تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } وقوله D : { أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري كما جاء في الصحيح : " إن الرجل ليتكلم الكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها بالجنة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " ( رواه مسلم وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي بنحوه ) ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك ورشد إليه ورغب فيه فقال : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } أي أخلصها لها وجعلها أهلا ومحلا { لهم مغفرة وأجر عظيم } . وعن مجاهد قال : كتب إلى عمر يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها ؟ فكتب عمر Bه : إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } ( أخرجه أحمد في كتاب الزهد )