( تابع . . . 1 ) : 229 - الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن .
وقوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } أي أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره أي حتى يطأها زوج آخر في نكاح صحيح فلو وطئها واطىء في غير نكاح ولو في ملك اليمين لم تحل للأول لأنه ليس بزوج وهكذا لو تزوجت ولكن لم يدخل بها الزوج لم تحل للأول لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلّم في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة فيتزوجها زوج آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها أترجع إلى الأول ؟ قال : " لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها " عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته . قال مسلم في صحيحه عن عائشه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عن المرأة يتزوجها الرجل فيطلقها فتتزوج رجلا آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول قال : " لا حتى يذوق عسيلتها " . وعن عائشة أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلّم فذكرت له أنه لا يأتيها وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فقال : " لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " ( تفرد به البخاري من هذا الوجه ) وقال الإمام أحمد عن عائشة قالت : دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلّم فقالت : إن رفاعة طلقني البتة وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني وإنما عنده مثل الهدبة وأخذت هدبة من جلبابها - وخالد ابن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن له - فقال : يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به بين يدي رسول بالله صلى الله عليه وسلّم ؟ فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن التبسم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " .
( فصل ) والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبا في المرأة قاصدا لدوام عشرتها كما هو المشروع من التزويج واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطأ مباحا فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض أو نفساء أو الزوج صائم أو محرم أو معتكف لم تحل للأول بهذا الوطء وكذا لو كان الزوج الثاني ذميا لم تحل للمسلم بنكاحه لأن أنكحة الكفار باطلة عنده فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحلها للأول فهذا هو ( المحلل ) الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة .
( ذكر الأحاديث الواردة في ذلك ) .
( الحديث الأول ) : عن ابن مسعود Bه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم : الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والمحلل والمحلل له وآكل الربا وموكله ( تفرد به البخاري من هذا الوجه ) .
( الحديث الثاني ) : عن علي Bه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه والواشمة والمستوشمة للحسن ومانع الصدقة والمحلل والمحلل له وكان ينهى عن النوح ( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ) .
( الحديث الثالث ) عن جابر Bه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " لعن الله المحلل والمحلل له " ( رواه الترمذي ) .
( الحديث الرابع ) : عن عقبة بن عامر Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ألا أخبركم بالتيس المستعار " قالوا : بلى يا رسول الله قال : " هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له " ( تفرد به ابن ماجة ) .
( الحديث الخامس ) عن ابن عباس Bهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن نكاح المحلل قال : " لا إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ثم يذوق عسيلتها " ( رواه الجوزجاني السعدي ) .
( الحديث السادس ) : عن أبي هريرة Bه قال : لعن رسول الله A المحلل والمحلل له ( رواه أحمد ) .
( الحديث السابع ) : عن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال : جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه هل تحل للأول ؟ فقال : لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله A ( رواه الحاكم في المستدرك ) .
وقوله تعالى : { فإن طلقها } أي الزوج الثاني بعد الدخول بها { فلا جناح عليهما أن يتراجعا } أي المرأة والزوج الأول { إن ظنا أن يقيما حدود الله } أي يتعاشرا بالمعروف قال مجاهد : إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة { وتلك حدود الله } أي شرائعه وأحكامه { يبينها } أي يوضحها { لقوم يعلمون } .
وقد اختلف الأئمة رحمهم الله فيما إذا طلق الرجل امرأته طلقة أو طلقتين وتركها حتى انقضت عدتها ثم تزوجت بآخر فدخل بها ثم طلقها فانقضت عدتها ثم تزوجها الأول هل تعود إليه بما بقي من الثلاث كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وهو قول طائفة من الصحابة Bهم أو يكون الزوج الثاني قد هدم ما قبله من الطلاق فإذا عادت إلى الأول تعود بمجموع الثلاث كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله حجتهم أن الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فلا يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى والله أعلم