68 - ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون .
- 69 - وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين .
- 70 - لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين .
يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره رد إلى الضعف بعد القوة والعجز بعد النشاط كما قال تعالى { الله خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير } وقال D : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا } والمراد من هذا - والله أعلم - الإخبار عن هذ الدار بأنها دار زوال وانتقال لا دار دوام واستقرار ولهذا قال D : { أفلا يعقلون } ؟ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى الشيخوخة ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى لا زوال لها ولا انتقال منها ولا محيد عنها وهي الدار الآخرة وقوله تبارك وتعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } يقول D مخبرا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلّم : أنه ما علمه الشعر { وما ينبغي له } أي ما هو في طبعه فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلّم كان لا يحفظ بيتا على وزن منتظم بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه قال الشعبي : ما ولد عبد المطلب ذكرا ولا أنثى إلا يقول الشعر إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( ذكره ابن عساكر عن الشعبي ) . وعن الحسن البصري قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يتمثل بهذا البيت : ( كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا ) فقال أبو بكر Bه : يا رسول الله كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا قال أبو بكر أو عمر Bهما : أشهد أنك رسول الله يقول تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } ( ذكره ابن أبي حاتم عن الحسن البصري ) . وروى الأموي في مغازيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم جعل يمشي بين القتلى يوم بدر وهو يقول : " نفلق هاما " فيقول الصديق Bه متمما للبيت : .
من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما .
وعن عائشة Bها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا استراب الخبر تمثل فيه ببيت طرفة : .
ويأتيك بالأخبار من لم تزود ( أخرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ) .
وهو في شعر ( طرفة بن العبد ) في معلقته المشهورة : .
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... " ويأتيك بالأخبار من لم تزود " .
وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلّم تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة Bه ولكن تبعا لقول أصحابه Bهم فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيثولون : .
لا هم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا .
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا .
إن أولاء قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا .
ويرفع صلى الله عليه وسلّم صوته يقوله : أبينا ويمدها وقدر روى هذا بزحاف في الصحيحين أيضا وكذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلّم قال يوم حنين وهو راكب البغلة يقدم بها في نحور العدو : .
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب .
لكن قالوا : هذا وقع اتفاقا من غير قصد لوزن شعر بل جرى على اللسان من غير قصد إليه وكذلك كا ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله Bه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غار فنكبت اصبعه فقال صلى الله عليه وسلّم : .
هل أنت إلا اصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت .
وكل هذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وسلّم ما علم شعرا وما ينبغي له فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم { الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش ولا كهانة ولا سحر يؤثر كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال وقد كانت سجيته صلى الله عليه وسلّم تأبى صناعة الشعر طبعا وشرعا . قال صلى الله عليه وسلّم : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا " ( أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعا قال ابن كثير . وإسناده على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) .
على أن الشعر فيه ما هو مشروع وهو هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وأمثالهم وأضرابهم Bهم أجمعين ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية ومنهم ( أمية ابن أبي الصلت ) الذي قال فيه رسول الله A : " آمن شعره وكفر قلبه " وقد أنشد بعض الصحابة Bهم للنبي A مائة بيت يقول A عقب كل بيت : " هيه " يعني يستطعمه فيزيده من ذلك وفي الحديث : " إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما " ( أخرجه أبو داود من حديث أبي بن كعب وابن عباس Bهما ) ولهذا قال تعالى : { وما علمناه الشعر } يعني محمدا A ما علمه الله الشعر { وما ينبغي له } أي وما يصلح له { إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } أي ما هذا الذي علمناه { إلا ذكر وقرآن مبين } أي بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره ولهذا قال تعالى : { لينذر من كان حيا } أي لينذر هذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض كقوله : { لأنذركم به ومن بلغ } وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب مستنير البصيرة كما قال قتادة : جي القلب حي البصر وقال الضحاك : يعني عاقلا { ويحق القول على الكافرين } أي وهو رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين