41 - يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا .
- 42 - وسبحوه بكرة وأصيلا .
- 43 - هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما .
- 44 - تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما .
يقول تعالى آمرا عباد المؤمنين بكثرة الذكر لربهم تبارك وتعالى المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن لما لهم في ذلك من جزيل الثواب وجميل المآب روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكارها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم " ؟ قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلّم : " ذكر الله D " ( أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه ) . وعن عبد الله بن بشر قال : جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أحدهما : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من طال عمره وحسن عمله " وقال الآخر : يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فمرني بأمر أتشبث به قال صلى الله عليه وسلّم : .
لايزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى .
( أخرجه الإمام أحمد وروى الترمذي وابن ماجه الفصل الأخير منه ) . وفي الحديث : " أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقولوا مجنون " ( أخرجه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة " ( أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا ) وقال ابن عباس في قوله تعالى : { اذكروا الله ذكرا كثيرا } إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر فإن الله تعالى لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على تركه فقال : { اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم } بالليل والنهار في البر والبحر وفي السفر والحضر والغنى والفقر والسقم والصحة والسر والعلانية وعلى كل حال . وقال D : { وسبحوه بكرة وأصيلا } فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله تعالى كثيرة جدا ( صنف العلماء في الأذكار كتبا كثيرة ومن أحسنها كتاب ( الأذكار ) للإمام النووي ) .
وقوله تعالى : { وسبحوه بكرة وأصيلا } أي عند الصباح والمساء كقوله D : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } وقوله تعالى : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } هذا تهييج إلى الذكر أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم كقوله D : { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " يقول الله تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " والصلاة من الله تعالى : ثناؤه على العبد عند الملائكة حكاه البخاري عن أبي العالية وقال غيره : الصلاة من الله D : الرحمة وأما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار كقوله تبارك وتعالى : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } وقوله تعالى : { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } أي بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ودعاء ملائكته لكم يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين { وكان بالمؤمنين رحيما } أي في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فإنه هداهم إلى الحق وبصرهم الطريق الذي ضل عنه الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأما رحمته بهم في الآخرة فآمنهم من الفزع الأكبر وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم . روى الإمام البخاري عن عمر بن الخطاب Bه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى امرأة من السبي قد أخذت صبيا لها فألصقته إلى صدرها وأرضعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " أترون هذه تلقي ولدها في النار وهي تقدر على ذلك ؟ " قالوا : لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " فوالله لله .
أرحم بعباده من هذه بولدها وقوله تعالى : { تحيتهم يوم يلقونه سلام } أي تحيتهم من الله تعالى يوم يلقونه سلام أي يوم يسلم عليهم كما قال D : { سلام قولا من رب رحيم } وقال قتادة : المراد أنهم يحيي بعضهم بعضا بالسلام يوم يلقون الله في الدار الآخرة واختاره ابن جرير . ( قلت ) : وقد يستدل بقوله تعالى : { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } وقوله تعالى : { وأعد لهم أجرا كريما } يعني الجنة وما فيها من المأكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح والملاذ والمناظر مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
- 45 - يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا .
- 46 - وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .
- 47 - وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا .
- 48 - ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا .
عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص Bهما فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في التوراة قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ( سخاب : أي كثير الصخب وهو الذي يرفع صوته في الأسواق ) في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ( أخرجه البخاري والإمام أحمد عن عطاء بن يسار ) . وقال وهب بن منبه : إن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء إسرائيل يقال له ( شعياء ) أن قم في قومك بني إسرائيل فإني منطق لسانك بوحي وأبعث أميا من الأميين أبعثه ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه من سكينته ولو يمشي على القصب لم يسمع من تحت قدميه أبعثه مبشرا ونذيرا لا يقول الخنا أفتح به أعينا كمها وآذانا صما وقلوبا غلفا أسدده لكل أمر جميل وأهب له كل خلق كريم وأجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة منطقه والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والحق شريعته والعدل سيرته والهدى إمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه أهدي به بعد الضلال وأعلم به بعد الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأعرف به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين أمم متفرقة وقلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأستنقذ به فئاما من الناس عظيمة من الهلكة وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين لما جاءت به رسلي ألهمهم التسبيح والتحميد والثناء والتكبير والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم يصلون لي قياما وقعودا ويقاتلون في سبيل الله صفوفا وزحوفا ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتي ألوفا يطهرون الوجوه والأطراف ويشدون الثياب في الأنصاف قربانهم دماؤهم وأناجيلهم في صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار وأجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين والشهداء الصالحين أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون وأعز من نصرهم وأؤيد من دعا لهم وأجعل دائرة السوء على ما خالفهم أو بغى عليهم أو أراد أن ينتزع شيئا مما في أيديهم أجعلهم ورثة لنبيهم والداعية إلى ربهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوفون بعهدهمن أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم ( أخرجه ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رحمة الله ) .
وقال ابن عباس : لما نزلت : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وقد كان أمر عليا ومعاذا Bهما أن يسيرا إلى اليمن فقال : " انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا إنه قد أنزل علي : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } ( رواه ابن أبي حاتم والطبراني ) " . فقوله تعالى { شاهدا } أي لله بالوحدانية وأنه لا إله غيره وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة { وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } كقوله : { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } وقوله D { ومبشرا ونذيرا } أي بشيرا للمؤمنين بجزيل الثواب ونذيرا للكافرين من وبيل العقاب وقوله جلت عظمته { وداعيا إلى الله بإذنه } أي داعيا للخلق إلى عبادة ربهم { وسراجا منيرا } أي وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها لا يجحدها إلا معاند . وقوله جل وعلا : { ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم } أي لا تطعهم وتسمع منهم في الذي يقولونه { ودع أذاهم } أي اصفح وتجاوز عنهم وكل أمرهم إلى الله تعالى ولهذا قال جل جلاله : { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا }