بسم الله الرحمن الرحيم .
- 1 - الم .
- 2 - غلبت الروم .
- 3 - في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون .
- 4 - في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون .
- 5 - بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم .
- 6 - وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
- 7 - يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون .
نزلت هذه الآيات حين غلب الفرس ( آخر ملوك الفرس الذي قتل زمن عثمان بن عفان هو : يزدجر بن شهريار وهو الذي كتب له النبي صلى الله عليه وسلّم يدعوه للإسلام فمزق الكتاب فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلّم أن يمزقوا كل ممزق ) على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم فاضطر ملك الروم حتى لجأ إلى القسطنطينية وحوصر فيها مدة طويلة ثم عادت الدولة لهرقل كما سيأتي . عن ابن عباس Bهما قال : كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل الكتاب فذكر ذلك لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إما إنهم سيغلبون " فذكره أبو بكر لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : " ألا جعلتها إلى دون العشر ؟ ثم ظهرت الروم بعد قال فذلك قوله : { آلم ... غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون } ( أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس Bهما ) . ( حديث آخر : عن مسروق قال قال عبد الله : خمس قد مضين : الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم ( أخرجاه في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود موقوفا ) . وعن عبد الله بن مسعود Bه قال : كانت فارس ظاهرة على الروم وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم فلما نزلت : { آلم ... غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد عليهم سيغلبون في بضع سنين } قالوا : يا أبا بكر إن صاحبك يقول : إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين قال : صدق قالوا : هل لك أن نقامرك فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين فمضت السبع ولم يكن شيء ففرح المشركون بذلك فشق على المسلمين فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلّم فقال : " ما بضع سنين عندكم " ؟ قالوا دون العشر قال : " اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل " قال : فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ففرح المؤمنون بذلك وأنزل الله تعالى : { آلم ... غلبت الروم - إلى قوله تعالى - وعد الله لا يخلف الله وعده } ( أخرجه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم والترمذي قريبا منه ) .
وقال عكرمة : لقي المشركون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم وقالوا : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى : { آلم ... غلبت الروم في أدنى الأرض - إلى قوله - ينصر من يشاء } فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال : أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرن الله أعينكم فوالله ليظهرن الله الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلّم فقام إليه ( أبي بن خلف ) فقال : كذبت يا أبا فضيل فقال له أبو بكر : أنت أكذب يا عدو الله فقال : أناجيك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره فقال : " ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في خطر وماده في الأجل " فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال : لعلك ندمت ؟ فقال : لا تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال : قد فعلت فظهرت الروم على فارس قبل ذلك فغلبهم المسلمون .
ولنتكلم على كلمات هذه الآيات الكريمات فقوله تعالى : { آلم ... غلبت الروم } قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور في أول سورة البقرة وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم ويقال لهم بنو الأصفر وكانوا على دين اليونان واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك وكانوا يعبدون الكواكب السيارة وهم الذين أسسوا دمشق وبنوا معبدها فكان الروم على دينهم إلى بعد مبعث المسيح بنحو من ثلثمائة سنة وكان من ملك منهم الشام مع الجزيرة يقال له ( قيصر ) فكان أول من دخل في دين النصارى من الروم ( قسطنطين ) وأمه .
مريم الهيلانية من أرض حران كانت قد تنصرت قبله فدعته إلى دينها وكان قبل ذلك فيلسوفا فتابعها واجتمعت به النصارى وتناظروا في زمانه مع عبد الله بن أريوس واختلفوا اختلافا كثيرا لا ينضبط إلا أنه اتفق جماعتهم ثلثمائة وثمانية عشر أسقفا فوضعوا لقسطنطين العقيدة .
وهي التي يسمونها ( الأمانة الكبيرة ) وإنما هي الخيانة الحقيرة ووضعوا له القوانين يعنون كتب الأحكام من تحريم وتحليل وغير ذلك مما يحتاجون إليه وغيروا دين المسيح عليه السلام وزادوا فيه ونقصوا منه فصلوا إلى المشرق واعتاضوا عن السبت بالأحد وعبدوا الصليب وأحلوا الخنزير واتخذوا أعيادا أحدثوها كعيد الصليب والقداس والغطاس وغير ذلك من البواعيث والشعانين وجعلوا له الباب وهو كبيرهم ثم البتاركة ثم المطارنة ثم الأساقفة والقساوسة ثم الشمامسة وابتدعوا الرهبانية وبنى لهم الملك الكنائس والمعابد وأسس المدينة المنسوبة إليه وهي القسطنطينية يقال : إنه بنى في أيامه اثني عشر ألف كنيسة وبنى بيت لحم بثلاث محاريب وبنت أمه القمامة وهؤلاء هم الملكية يعنون الذين هم على دين الملك ثم حدثت اليعقوبية أتباع يعقوب الأسكاف ثم النسطورية أصحاب نسطورا وهم فرق وطوائف كثيرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إنهم افترقوا على اثنين وسبعين فرقة " . والغرض أنهم استمروا على النصرانية كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده حتى كان آخرهم ( هرقل ) وكان من عقلاء الرجال ومن أحرم الملوك وأدهاهم وأبعدهم غورا وأقصاهم رايا فتملك عليهم في رياسة عظيمة وأبهة كثيرة فناوأه كسرى ملك الفرس وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر وكانوا مجوسا يعبدون النار فتقدم عن عكرمة أنه قال : بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه والمشهور أن كسرى غزاه بنفسه في بلاده فقهره وكسره وقصره حتى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينية فحاصره بها مدة طويلة حتى ضاقت عليه ولم يقدر كسرى على فتح البلد ولا أمكنه ذلك لحصانتها لأن نصفها من ناحية البر ونصفها الآخر من ناحية البحر فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هنالك ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلى التسع .
وقوله تعالى : { لله الأمر من قبل ومن بعد } أي من قبل ذلك ومن بعده { ويؤمئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } أي للروم أصحاب قيصر ملك الشام على فارس أصحاب كسرى وهم المجوس وكانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قول طائفة كثيرة من العلماء كابن عباس والثوري والسدي وغيرهم وقد ورد في الحديث عن أبي سعيد قال : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين ففرحوا به وأنزل الله : { ويؤمئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } ( أخرجه الترمذي وابن أبي حاتم والبرار ) وقال الآخرون : بل كان نصر الروم على فارس عام الحديبية ( يروى هذا القول عن عكرمة والزهري وقتادة وغيرهم ) والأمر في هذا سهل قريب الإ أنه لما انتصرت فارس على الروم ساء ذلك المؤمنين فلما انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بذلك لأن الروم أهل كتاب في الجملة فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس كما قال تعالى : { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى - إلى قوله - ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين } . وقال تعالى ههنا : { ويؤمئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } عن العلاء بن الزبير الكلابي عن أبيه قال : رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم كل ذلك في خمس عشرة سنة ( أخرجه ابن أبي حاتم ) . وقوله تعالى : { وهو العزيز } أي في انتصاره وانتقامه من أعدائه { الرحيم } بعباده المؤمنين وقوله تعالى : { وعد الله لا يخلف الله وعده } أي هذا الذي أخبرناك به يا محمد من أنا سننصر الروم على فارس وعد من الله حق وخبر صدق لايخلف ولا بد من كونه ووقوعه لأن الله قد جرت سنته أن ينصر أقرب الطائفتين المقتتلتين إلى الحق ويجعل لها العاقبة { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي بحكم الله في كونه وأفعاله المحكمة الجارية على وفق العدل وقوله تعالى : { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم الغافلون } أي أكثر الناس ليس لهم علم الإ بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها وهم غافلون في أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة قال الحسن البصري : والله ليبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي وقال ابن عباس في قوله تعالى : { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم الغافلون } يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال