58 - وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين .
- 59 - وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون .
يقول تعالى معرضا بأهل مكة : { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأزراق كما قال : { وضرب الله مئلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان - إلى قوله - فأخذهم العذاب وهم ظالمون } ولهذا قال تعالى : { فتلك مساكنهم لهم تسكن من بعدهم إلا قليلا } أي دثرت ديارهم فلا ترى إلا مساكنهم وقوله تعالى : { وكنا نحن الوارثين } أي رجعت خرابا ليس فيها أحد ثم قال تعالى مخبرا عن عدله وأنه لا يهلك أحدا ظالما له وإنما بعد قيام الحجة عليهم ولهذا قال : { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها } وهي مكة { رسولا يتلو عليهم آياتنا } فيه دلالة على أن النبي الأمي رسول إلى جميع القرى من عرب وأعجام كما قال تعالى : { لتنذر أم القرى ومن حولها } وقال تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } وتمام الدليل قوله تعالى : { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا } الآية فأخبر تعالى أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة وقد قال تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فجعل تعالى بعثة النبي الأمي شاملة لجميع القرى لأنهم مبعوث إلى أمها وأصلها التي ترجع إليها وثبت في الصحيحين عنه صلوات الله عليه وسلامه عليه أنه قال : " بعثت إلى الأحمر والأسود " ولهذا ختم به النبوة والرسالة فلا نبي بعده ولا رسول بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة وقيل المراد بقوله : { حتى يبعث في أمها رسولا } أي أصلها وعظيمتها كامهات الرساتيق والأقاليم ( حكاه الزمخشري وابن الجوزي وغيرهما وليس ببعيد كما قال ابن كثبير )