36 - والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون .
يقول تعالى ممتنا على عبيده فيما خلق لهم من البدن وجعلها من شعائره وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام بل هي أفضل ما يهدى إليه . قال عطاء { والبدن } البقرة والبعير ( وكذا روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن البصري ) . وقال مجاهد : إنما البدن من الإبل واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين : أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما صح الحديث ثم جمهور العلماء على أنه تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة كما ثبت عن جابر بن عبد الله قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نشترك في الأضاحي : البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ) وقوله : { لكم فيها خير } أي ثواب في الدار الآخرة لما روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إهراق دم وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا " ( رواه ابن ماجه والترمذي و حسنه ) وقال سفيان الثوري : كان أبو حازم يستدين ويسوق البدن فقيل له : تستدين وتسوق البدن ؟ فقال : إني سمعت الله يقول { لكم فيها خير } وقال مجاهد { لكم فيها خير } قال : أجر ومنافع وقال إبراهيم النخعي : يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها وقوله : { فاذكروا اسم الله عليها صواف } وعن جابر بن عبد الله قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم عيد الأضحى فلما انصرف أتى بكبش فذبحه فقال : " بسم الله والله أكبر اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " ( رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) . وروى محمد بن إسحاق عن جابر قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكبشين في يوم عيد فقال حين وجههما : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ... إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له بذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته " ثم سمى وكبر وذبح .
وعن علي بن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول : " اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ثم يقول : " هذا عن محمد وآل محمد " فيطعمها جميعا للمساكين ويأكل هو وأهله منهما ( رواه أحمد وابن ماجه ) . وقال الأعمش عن ابن عباس في قوله : { فاذكروا اسم .
الله عليها صواف } قال : قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى يقول : باسم الله والله أكبر لا إله إلا الله اللهم منك ولك وقال ليث عن مجاهد : إذا عقلت رجلها اليسرى قامت على ثلاث . وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنة وهو ينحرها فقال : ابعثها قياما مقيدة سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلّم ( أخرجه البخاري ومسلم ) وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه : كانوا ينحرون البدون معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها ( رواه أبو داود في سننه ) . وقال العوفي عن ابن عباس { فإذا وجبت جنوبها } يعني نحرت وقال ابن أسلم : { فإذا وجبت جنوبها } يعني ماتت وهذا القول هو مراد ابن عباس ومجاهد فإنه لا يجوز الأكل من البدنة إذا نحرت حتى تموت وتبرد حركتها وقد جاء في حديث مرفوع : " لا تعجلوا النفوس أن تزهق " ويؤيده حديث شداد بن أوس في صحيح مسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " ( أخرجه مسلم في صحيحه ) . وقوله : { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } قال بعض السلف : قوله : { فكلوا منها } أمر إباحة وقال مالك : يستحب ذلك وقال غيره يجب واختلفوا في المراد بالقانع والمعتر فقال ابن عباس : القانع المستغني بما أعطيته وهو في بيته والمعتر الذي يتعرض لك ويلم بك أن تعطيه من اللحم ولا يسأل وكذا قال مجاهد وقال ابن عباس : القانع المتعفف والمعتر السائل ( وهذا قول قتادة وإبراهيم النخعي ومجاهد في رواية عنه ) وقال سعيد ابن جبير : القانع هو السائل أما سمعت قول الشماخ : .
لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع .
أي : يغني من السؤال وقال زيد بن أسلم : القانع المسكين الذي يطوف والمعتر الصديق والضعيف الذي يزور واختار ابن جرير : أن القانع هو السائل لأنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال والمعتر من الاعتراء وهو الذي يتعرص لأكل اللحم وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال للناس : " إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا وادخروا ما بدا لكم " وفي رواية : " فكلوا وادخروا وتصدقوا " .
مسألة .
عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء " ( أخرجاه في الصحيحين ) فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء : إن أول وقت ذبح الأضاحي إذا طلعت الشمس يوم النحر ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين زاد أحمد : وأن يذبح الإمام بعد ذلك لما جاء في صحيح مسلم : وأن لا تذبحوا حتى يذبح الإمام وقال أبو حنيفة : أما أهل السواد من القرى ونحوها فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر إذ لا صلاة عيد تشرع عنده لهم وأما أهل الأمصار فلا يذبحوا حتى يصلي الإمام والله أعلم . ثم قيل : لا يشرع الذبح إلا يوم النحر وحده وقيل : يوم النحر ويوم بعده للجميع وقيل : ويومان بعده وبه قال الإمام أحمد وقيل : يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده وبه قال الشافعي لحديث جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " أيام التشريق كلها ذبح " ( رواه الإمام أحمد وابن حبان ) وقوله : { كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون } يقول تعالى من أجل هذا { سخرناها لكم } أي ذللناها لكم وجعلناها منقادة لكم خاضعة إن شئتم ركبتم وإن شئتم حلبتم وإن شئتم ذبحتم { كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون }