( قلت ) وعلى هذا جرى أيضا في شرح التقريب فإنه عدله من الرواة مرتبين على حروف المعجم خمسا وستين بدون العشرة المبشرين وبهم يصل العدد إلى ما ذكرناه وقد زاد غيره ممن رواه جماعة آخرين انظر شرح الأحياء وقد قالوا أن البخاري أخرجه في العلم من حديث علي والزبير بن العوام وأنس بن مالك وسلمة ابن الأكوع وأبي هريرة وفي الجنائز من حديث المغيرة بن شعبة وفي أخبار بني إسرائيل من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفي مناقب قريش من حديث واثلة بن الأسقع لكن ليس هو بلفظ الوعيد بالنار صريحا واتفق مسلم معه على تخريج حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أيضا وصح أيضا في غيرهما من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمر وأبي قتادة وجابر وزيد بن أرقم وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة ابن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي ومعاوية بن أبي سفيان ورافع بن خديج وطارق الأشجعي والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي أمامة وأبي قرصافة وأبي موسى الغافقي وعائشة فهؤلاء ثلاث وثلاثون نفسا من الصحابة وورد أيضا على نحو من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة متماسكة وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة وقد جمع الحافظ ابن حجر طرقه في جزء ضخم واعتنى جماعة من الحفاظ قبله بجمع طرقه أولهم علي بن المديني وتبعه يعقوب بن شيبة فقال روى هذا الحديث من عشرين وجها عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر الرازي فقال كل منهما أنه ورد من حديث أربعين من الصحابة وجمع طرقه في ذلك العصر أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد فزاد قليلا وقال أبو بكر الصيرفي في شارح رسالة الشافعي رواه ستون نفسا من الصحابة وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلا وقال أبو القاسم ابن منده رواه أكثر من ثمانين نفسا وقد خرجها بعض النيسابوريين فزادت قليلا وجمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب الموضوعات في النسخة الأولى فأوصل رواته إلى أحد وستين صحابيا في النسخة الثانية وهي أطول من الأولى فجاوز التسعين وبذلك جزم ابن دحية فيما نقله عنه في فتح الباري وتبعه السخاوي وفي نقل المناوي عنه أنه جاء من نحو أربعمائة طريق ولابد من تأويله وقال أبو موسى المديني يرويه نحو مائة من الصحابة وجمعها بعده الحافظان أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي المعروف بالمزي وأبو علي البكري وهما متعاصران فوقع لكل ما ليس عند الآخر وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلناه من صحيح وحسن وضعيف وساقط مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص وذكر العراقي في الفيته أن رواته من الصحابة نيفوا أي زادوا على مائة قال في فتح المغيث باثنين قال وذلك بالنظر لمجموع ما عندهم اه .
ونقل النووي في مقدمة شرح مسلم عن بعضهم أنه رواه مائتان من الصحابة قال في فتح المغيث واستبعد المصنف يعني العراقي ذلك ووجهه غيره بأنه في مطلق الكذب كحديث من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ونحوه ولعله كما قال شيخنا سبق قلم من مائة اه .
وقال الحافظ برهان الدين الحلبي في الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث قال شيخنا الحافظ العراقي القول بأنه روى هذا الحديث مائتان من الصحابة أستبعد أنا وقوعه قال وذكر شيخنا أيضا الصحابة الذين رووه على حروف المعجم في كتاب النكت على ابن الصلاح فيما قرأته عليه وقال فهؤلاء خمسة وسبعون ويصح من نحو عشرين واتفق الشيخان على حديث أربعة منهم اه .
وقال السيوطي في شرحه للألفية المصطلح للعراقي قال جماعة أنه رواه أكثر من مائة من الصحابة قال العراقي وليس في هذا المتن بعينه ولكنه في مطلق الكذب والخاص بهذا المتن رواية بضع وسبعين قال أعني السيوطي وقد سقت أسماءهم في شرح التقريب والتأليف الذي جمعته في الأحاديث المتواترة اه .
وفي الترغيب والترهيب للمنذري هذا الحديث روى عن غير واحد من الصحابة في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها حتى بلغ التواتر اه .
وممن أطلق عليه التواتر ابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهم وكلام ابن الصلاح مشعر باختصاصه بكونه مثالا للمتواتر وقال بعضهم لا يوجد متواتر متفق على تواتره غيره ونقل عن بعض الحفاظ والمراد ابن الجوزي في مقدمة أحد النسختين من كتاب الموضوعات له أنه لا يعرف حديث رواه أكثر من ستين صحابيا إلا هذا ولا حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرة إلا هو واعترض الكل أعني ( 1 ) كونه متواترا ( 2 ) وكون التواتر مختصا به ( 3 ) وكونه رواه العشرة ( 4 ) وكونه مختصا بروايتهم وبرواية أكثر من ستين من الصحابة أما الأول فقال في الفتح بعد كلام ما نصه ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر ونازع بعض مشايخنا في ذلك قال لأن شرط المتواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجودة في كل طريق منها بمفردها وأجيب بأن المراد بإطلاق كونه متواترا رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر وهذا كاف في إفادة العلم وأيضا فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم وحديث علي رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم وكذا حديث ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو فلو قيل في كل منها أنه متواتر عن صحابية لكان صحيحا فإن العدد المعين لا يشترط في المتواتر بل ما أفاد العلم كفى والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت علوم الحديث وفي شرح نخبة الفكر وبينت هناك الرد على من ادعى أن مثال المتواتر لا يوجد إلا في هذا الحديث وبينت أن أمثلته كثيرة اه .
وأما الثاني فتقدم رده عن ابن حجر في شرح النخبة وغيره وعن السيوطي والسخاوي وأما الثالث فقال في فتح المغيث نازع غير واحد في اجتماع العشرة على روايته وأجيب بأن الطرق عن العشرة موجودة في مقدمة الموضوعات لابن الجوزي ومنهم ابن عوف في النسخة الأخيرة منها وكذا هي موجودة عند من بعده والثابت منها كما سيأتي أي في كلامه من الصحاح علي والزبير ومن الحسان طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة ومن الضعيف المتماسك طريق عثمان وبقيتها ضعيف أو ساقط وعلى كل حال فقد وجدت في الجملة اه .
وما ذكره من أن طريق عثمان من الضعيف المتماسك خلاف ما لشيخه في الفتح فإنه عدها من الصحيح كما تقدم تبعا له وهو الصواب فإن حديث عثمان رواه أحمد في مسند عثمان من مسنده في موضعين بلفظين الأول منهما عن إسحاق بن عيسى وشريح وحسين عن عبد الرحمان ابن أبي الزناد وهو صدوق عن أبيه وهو ثقة عن عامر بن سعد وهو ثقة أيضا عن عثمان والثاني عن عبد الكبير بن عبد المجيد وهو ثقة عن عبد الحميد بن جعفر وهو صدوق عن أبيه وهو ثقة عن محمود بن لبيد وهو صحابي صغير عن عثمان وبمجموع الطريقين يحكم على حديثه بالصحة وأما الرابع فقال العراقي في شرحه لألفيته ما نقله ابن الصلاح من تخصيص هذا الحديث بهذا العدد ورواية العشرة منقوض بحديث المسح على الخفين فقد ذكر أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن إسحاق بن منده في كتابه المستخرج أنه رواه أكثر من ستين صحابيا ومنهم العشرة وروى عن الحسن أنه قال حدثني سبعون من أصحاب رسول الله بالمسح على الخفين وجعله ابن عبد البر متواترا وأيضا فحديث رفع اليدين قد عزاه غير واحد منهم ابن منده المذكور والحاكم إلى العشرة وجعل ذلك من خصوصياته اه .
قال في فتح المغيث وكذا الوضوء من مس الذكر قيل أن رواته زادت على ستين وكذلك الوضوء مما مست النار وعدمه اه .
وأجاب السيوطي في شرحه لألفية العراقي بأن مراد ابن الصلاح وابن الجوزي أن ذلك لم يقع في متن خاص بلفظة إلا في متن من كذب قال وأما قصة مسح الخف ورفع اليدين فإنها قصص مختلفة وأحاديث متغايرة تضمنت ذلك الحكم من المسح والرفع لا أنه حديث واحد اتفقوا على روايته ومثل ذلك هو المسمى في الأصول بالتواتر المعنوي ومقابله اللفظي ولا يوجد قط بعد حديث من كذب حديث اتفق على روايته بلفظ واحد العشرة وستون صحابيا ولا نصفهما نعم ما يقارب ذلك كحديث انزل القرآن على سبعة أحرف رواه نحو الثلاثين في أحاديث أخر أفردتها بتأليف اه .
وبه يجاب أيضا عما زاده في فتح المغيث وانظر شرح الأحياء للشيخ مرتضى الزبيدي فقد أطال في هذا الحديث في الباب الثالث من كتاب العلم والله سبحانه وتعالى أعلم